تحليل سياسي دولة جنوب السودان الوليدة كما يصفها البعض من الخبراء والمتابعين وثبتت التسمية بأنها (وليدة) إلا ان الولادة تمت بعد مخاض عسير فى أجواء إقليمية ومحلية يسودها التوتر والقلق لدخول دولة جديدة منظومة المنافسة على الموارد الطبيعية فى سباق الألفية الثالثة على الموارد. المشهود والمتواتر ان الدولة الجديدة تصنف جغرافياً ضمن مناطق خط الاستواء او الدول الاستوائية التى تمتاز بكثافة فى مواد الغابات الطبيعية والحياة البرية. ومن خلال النظر الى المشهد السياسي وتسارع الحرية المتاح داخل الدولة الوليدة يؤكد سيادة منطق الغابة وذلك من خلال تسليط بعض الضوء على (قضية مسلمي جنوب السودان). تشير آخر الإحصائيات القديمة إبان الحكم الانجليزي للسودان عام 1938 المُجراة فى جنوب السودان من ضمن تقارير (مجلس الكنائس العالي) الى ان 18% من السكان من المسلمين و 17%من المسيحيين وأحتلّ الوثنيون 65% . وضمن إحصائيات حديثة تاريخاً فان أعداد المسلمين فى تزايد مستمر وطبقاً لآخر تقرير من المجلس الاعلي لجنوب السودان فان نسبة المسلمين قفزت الى 35% . هنالك تقديرات غير رسمية وعشوائية تؤكد تزايد عدد السكان الجنوبيين من المسلمين بنسبة كبيرة ومع ذلك هم مهمشون فى التعليم والخدمات والتمثيل السياسي. و تعد ولايات بحر الغزال من أكثر الأماكن التى يوجد بها مسلمون لقربها من ولاية جنوب دارفور وفى ولايات الدولة هنالك أكثر من 65 مسجداً جامعاً؛ أشهرها مسجد الملك فاروق فى ملكال فى أعالي النيل . عاني المسلمين من إقصاء شديد يتمثل فى عدم الحصول على اى مناصب سواء فى حكومة الجنوب او فى حكومات الولايات العشر؛ كما أنه ليس لهم تمثيل فى البرلمان الجنوبي بشكل يكافئ أعدادهم وذلك نتاج طبيعي لعدم ترشيح الأحزاب الى اى ممثلين من الكيانات المسلمة وفى ذاتها الحركة الشعبية (الحزب الحاكم) رغماً عن برنامجها الانتخابي فى ابريل 2010 لحفظ حقوق أصحاب الديانات الاخري. التمييز الديني واضح المعالم فى الدولة الوليدة وذلك للدور الكنسي وتصوير المسلمين للعامة على أنهم أعداء وذلك منذ تاريخ الحرب الشهيرة مع الشمال قبل الانفصال وان الحرب دينية وعقائدية. تغلغل الكنسية فى الحياة السياسية العامة لصبغ البلاد بالصبغة الدينية كعمل مناهض لتنامي المد الاسلامي فى الجنوب مما يزيد من التعصب ويدفع لاضطهاد المسلمين الجنوبيين. ومن ضمن مسلسل التعسف والتمييز الديني الذى لقيه المسلمين الجنوبيين حادثة استيلاء ولاية الاستوائية الوسطي قبل أعوام قليلة على معهد جوبا العلمي وهو المعهد الذى أنشأته هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية واقتطاع جزء منه وتحويله الى مدرسة ثانوية باسم الزعيم (جون قرنق)! أضف إليه الإستيلاء على مركز منظمة البر الاسلامي وإزالة مسجدها تحت دعوي إعادة التخطيط العمراني أبرزها الاستيلاء على مسجد مدينة بور ومسجد رومبيك التاريخي الذى بني عام 1935 وهو من معالم تاريخ الولاية؛ وأضف إليه الاضطهاد السياسي والخدمي والتعليمي، وأيضاً الاعتداء على المؤذنين وطردهم من مساجدهم وتحويلها الى خمارات. أيضاً سنّ قوانين ولائية بمنع الاذآن فى بعض الولايات (الوحدة وشرق الاستوائية، وغرب بحر الغزال) ما منع وجود سياسة مصرفية إسلامية وبنوك إسلامية، ومنع الطالبات من ارتداء الحجاب الاسلامي . التصفيات الجسدية دليل إدانة وفى ذلك أولاها مقتل أمين المجلس الاسلامي لولاية بحر الغزال الشيخ فؤاد رتشارد على أيدي مجموعة جنوبية مسلحة كانت اختطفته بتاريخ 12 مايو 2010 ومن الملاحظ ان الحادثة كانت قبل الانفصال وكانت المجموعة المنفذة تتبع للجيش الشعبي. ويأتي على شاكلة حادثة ريتشارد حادثة وعملية اغتيال (مريم برنجي) أمينة المرأة بحزب المؤتمر الوطني بالاستوائية، حيث تم اغتيالها ايضاً على يد جنود الجيش الشعبي الذين أحرقوا منزلها وحاولوا نسب الحادثة لمجموعة سارقين! ملخص ما سبق ان أحداث التمييز الديني بدولة جنوب السودان تظهر كيفية التعامل مع التكوينات المخالفة، مما يهدد بحرب طائفية داخلية وذلك إستناداً على أعداد المسلمين التى فى تزايد مستمر بحسب ما سبق، ما يهدد معه بقاء الدولة وهو ما أقرَّ به بعض المتابعين للشأن الإفريقي قبل انفصال الدولة من أن مثل تلك القضايا تهدد مصير بقاء الدولة.