تبدو حالة الخلاف والاختلاف الحادة التي تعيشها أحزاب الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني والأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي بشأن مشاركتهما فى حكومة القاعدة العريضة التى دعا لها الحزب الوطني الحاكم فى السودان، تبدو فى حد ذاتها كافية كدليل ساطع لا يحتاج لما يعززه بأن هذه الأحزاب ورغم عراقتها لا تنبض فى جسدها الواهي أية نبضات ديمقراطية. ونحن هنا لا نركّز على اختلاف وجهات النظر داخل الحزب، فهذه الاختلافات داخل أى حزب هى محور الممارسة الديمقراطية وهى مطلوبة لتمام عافية الحزب الديمقراطية، ولكن الامر بالنسبة لهذين الحزبين على وجه الخصوص يبدو مختلفاً للغاية، إذ المعروف انه وفي حالة عدم اتفاق المنضويين تحت الحزب المعني على أى أمر من الأمور، فان هنالك آليات ووسائل ديمقراطية متعارف عليها ومنصوص عليها داخل النظام الأساسي للحزب واللوائح الداخلية الخاصة به، وهى التى على ضوئها يحسم الامر المختلف عليه. وإذا ما تم حسم الامر – وفق هذه القواعد المنصوص عليها مسبقاً – فان مقتضي الممارسة الديمقراطية يحتم بعد ذلك التزام الجميع بما قررته الآليات والوسائل وإيلاء القرار كامل الاحترام. ما حدث بشأن مشاركة الحزبين ان الآليات بدت هى نفسها معطوبة ولم تتوفر لها الفرصة المناسبة لتعمل، فحزب الأمة على سبيل المثال قال قبل أسابيع ان مكتبه السياسي قرر عدم المشاركة، وان القرار مؤسسي ونافذ وفقاً للنظام المتبع ديمقراطياً فى الحزب؛ غير ان أصواتاً مرتفعة وعالية خرجت من جموع عضوية الحزب فى المركز والولايات تطالب بالنقيض؛ كما أن الدكتور قطبي المهدي رئيس القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم قال – الأحد الماضي – ان حزبه على علم برغبة من وصفهم (بشخصيات قيادية مهمة من حزب الأمة) فى المشاركة سواء من المركز أو الولايات. ومن المؤكد ان هذه الشخصيات القيادية التى وصفها د. قطبي بالمهمَّة لها اتصالات بالحزب الوطني، كما أنها لا تزال داخل حزب الأمة، ومن المؤكد ايضاً أن لهذه القيادات رأيها الذى جعلها تصرّ على المشاركة وتفسير موقفها هذا لا يمكن ان يخرج عن أنها تعلم ان قرار عدم المشاركة الذي أدعي الحزب أنه قرار الحزب النهائي الصادر عن قيادته المؤسسية لم يراع المؤسسية المطلوبة وإلا لما جاهرت برغبتها هذه فى المشاركة رغماً عن قرار الحزب وهى باقية فيه! بمعني أوضح فان الموقف هنا يكشف عن وجود خلل ما فى طريقة اتخاذ القرار لدرجة التى دفعت هؤلاء لمخالفته والقفز فوقه. الحزب الاتحادي الأصل هو الآخر لا تزال التداعيات والخلافات محتدمة فيه رغم أن زعيمه – وفق حواره مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مؤخراً – قطع بأن قرار المشاركة اتخذته مؤسسات الحزب المعنية بذلك. إذن تبدو المفارقات والتعقيدات هنا ذات طبيعة مختلفة وهو ما يشير – بكل أسف – الى ان هذه الأحزاب لا تزال وربما ستظل تعاني من إشكالات الممارسة الديمقراطية، وهو ما يجعلنا كمراقبين نستشعر قدراً من الهواجس والمخاوف بشأن إدعاء هذه الأحزاب أنها قادرة على ان تصبح بديلاً فى المستقبل سواء كان القريب او البعيد، فالحزب الذى لم تعلمه مسيرة عقود من السنوات كيف يضبط نفسه وقراراته، ويتعامل بمؤسسية داخل وعاءه السياسي الداخلي، هو بغير شك غير قادر على إدارة دولة وضبط حركة شعب له مصالح واجبة المراعاة. ربما كانت حسنة الاتحادي الأصل فى موافقته على المشاركة محاولته اللحاق بالركب الوطني لفعل شي، أي شئ للصالح الوطني بدلاً من أن يظل أسير حالة الشد والجذب و غياب الممارسة الديمقراطية داخله!