ببلاغة لفظ وقوة حجة ووجاهة منطق وثقة غير مسبوقة أعلن الدكتور نافع أمس مرشحي المؤتمر الوطني في كافة المستويات لخوض الانتخابات العامة على مستوى ولاة الولايات الشمالية والدوائر الجغرافية للمجلس الوطني.. في المؤتمر الصحفي كانت كلمات الرجل تتسابق من فمه وكأنها قذائف مندفعة دون تمهّل، كلمات قويات خرجت لتؤكد شيئا واحدا أن العمل الشوري وإن شئتم الديمقراطي الدؤوب أثمر عن تجربة سياسية لا مثيل لها في تاريخ السودان السياسي وحق لهذا الوطن أن يفخر بحزب هذا ديدنه. لعله من المفيد أن نهدي قصة الملكة بلقيس إلى الأحزاب السودانية الطائفي منها والعقائدي التي تفتقر إلى الشورى والديمقراطية داخلها، وكأنما التطور الديمقراطي حقائب وزارية وليس ممارسة وسعي جاد لاقناع الجماهير بالفكرة.. قبل عدة قرون وفي عهد سحيق استشارت بلقيس قومها وقال الله تعالى على لسانها (يا أيها الملأ أفتوني في امري ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون) النمل الآية 32.. ولعمري أن هذه المرأة وبهذا المنطق الحكيم والسلوك القويم ضربت مثلا رائعا على أهمية الشورى في إدارة البلاد والعباد.. بل كانت في هذا اعقل واحكم من كثير من الرجال!! ما بين مفهومي الشورى والديمقراطية ليس أمرا جدليا، لأن الأمر بكل بساطة بيّنٌ وواضحٌ.. المفاضلة بين الشورى والديمقراطية مقارنة عبثية لا تقوم على نهج قياسي صحيح، وهي تشبه المقارنة بين الهدف والطريق التي تؤدي إلى ذلك الهدف.. فالشورى مبدأ والديمقراطية واحدة من تطبيقاته المختلفة. الشورى ثقافة وقيم ومبادئ، والديمقراطية مشروع وخطة.. الشورى من الثوابت الإنسانية التي لا يختلف عليها اثنان، كالحرية والمشاركة والمساواة والتعددية، واحترام الرأي الآخر، أما الديمقراطية هي مجموعة الوسائل والتكتيكات والأدوات التي يسخرها شعب من الشعوب لبناء نظامه.. لهذا تعددت الأنظمة الديمقراطية، حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية في هذا العالم. فضلا عن ذلك فإن الشورى جزء من الدين، وطاعة لله، وقدوة صالحة يُؤمر بها الأنبياء قبل غيرهم؛ حتى لا يتعاظم عليها من يدَّعون النزاهة والأهلية والفقه، فليس بعد الأنبياء في الصلاح والعصمة أحد. فالشورى هي السبيل إلى الرأي الجماعي الذي فيه خير الفرد والمجتمع.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أمتي لا تجتمع على ضلالة).. وهي حق للأمة وواجب على الحاكم، وهي نظام سياسي واجتماعي، وحلقة وصل بين الحاكم ورجاله. وجعلها الإسلام من صفات المؤمنين الصالحين، حتى إنها وردت بين ركنين عظيمين الصلاة والزكاة، قال تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى: 38. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 13/1/2010م