لا ندري كيف لسياسي تجاوز الثمانين من العمر، ونضبت معينه السياسي وهو في الأصل حصل على دوره من قبل، وجاءته الفرص والسوانح غير ما مرة ولم يعرف له انجازاً يذكر، أن يعود وبإصرار للبحث عن المستقبل. وعن دور لا يزال يري أن بإمكانه القيام به وتأديته بفاعلية . ولو أننا – جدلاً – تجاوزنا عن نضوب المعين، وتراجع القدرات والفاعلية السياسية فان استنجاد هذا الثمانيني بالعامل الأجنبي وإدمان زيارة السفارات (بليل) واستجداء الدعم والإلحاح، يكفي وحده ليصبح بمثابة سوء خاتمة سياسية، مهما كانت المبررات والدوافع والأهداف السامية. السياسي السوداني المعروف فاروق أبو عيسي نموذج لمن نتكلم عنه، فالرجل رغم أن الساحة السياسية السودانية – بالأريحية السودانية المعروفة - طوت له صفحات سوداء من تاريخه السياسي حين استغل الرجل بدأب ومثابرة خارج السودان ايام كان أمانة اتحاد المحاميين العرب في تسعينيات القرن المنصرم ضد بلاده مثيراً دهشة الأجانب أنفسهم الذين لم يروا مواطناً يحارب بلاده بتلك الضراوة، وعاد الى الخرطوم عزيزاً مكرماً وتلقي تعويضات (مجزية) أكثر من مرة عن كل ما عاناه في الخارج لم يكفيه هذا، ولكنه استن سنة ما من شك أنها سنة سيئة بارتباطه المريب بالسفارات الأجنبية. فقد تداولت وسائل الإعلام لنحو من ثلاثة مرات على الأقل حتى الآن خبر دخول أبو عيسي وخروجه من سفارات أجنبية وتفوح مع دخوله وخروجه روائح طلب الدعم وإسقاط النظام. حتى أنه في آخر مرة زار فيها السفارة البريطانية تلقي تقريعاً من نائب السفير بشأن (تذبذب) مواقف القوى السودانية المعارضة المطالبة بإسقاط النظام، وفي الوقت نفسه تحاوره وتتفاوض معه على صيغ مشاركة ومساومة. وبالطبع لم تكن لدي أبوعيسي إجابة مقنعة فالرجل كان شغله الشاغل فقط هو أن يعاونه الأجانب على إسقاط الحكومة ولم يكن يشغله أي شيء آخر. ان نموذج أبوعيسي يثير التساؤل حول حدود العمل السياسي المعارض، والخطوط الحمراء أو الخضراء التي تجب مراعاتها وتوضع في الاعتبار، فلو ان كل سياسي في أي بلد راهن على قوة خارجية ليتغلب بها على خصومه في السلطة لما كانت هنالك قيمة للأوطان ولا عرفت البشرية مفردة الوطنية والنقاء والطهارة الوطنية، ولو أن كل سياسي تندلق على رأسه الهموم ويعوزه (الدرهم والدينار) يسارع بالبحث عن الحل لدي أقرب سفارة أجنبية لما كان هنالك نصاً في القوانين الجنائية لأي بلد يتحدث عن الخيانة العظمي أو التخابر مع جهات أجنبية . كل قوانين الدنيا تعاقب على التخابر مع القوى الأجنبية لأنها تمس بشكل أو بآخر الأمن القومي للبلاد بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم. لقد تمتع أمثال أبوعيسي – وهم كثر – بأكثر مما يستحقون من الأريحية السياسة والتسامح السوداني الوريف. ولكن لن يكون ذلك بحال من الأحوال جوازاً لمرور إلى قلوب أبناء الوطن، فالسودانيين عموماً يحتفظون جيداً بطهارتهم الوطنية ويسقطون من حساباتهم الذين تلطخت نيابهم بالطين الأجنبي الأسود والدولار الأخضر والأسود. ومن المؤكد أن المحاسبة التاريخية والوطنية هي الأكثر دفعاً وأشج باساً على أمثال هؤلاء وان تجاهلوها، ولم يلقوا لها بالاً.