عادت أخبار قوات الدفاع الشعبي لتتصدر واجهة الأحداث بعد انفصال جنوب السودان في يوليو الماضي مع عودة البرنامج التلفزيوني المثير للجدل «في ساحات الفداء» ومع اشتعال المعارك العسكرية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بين القوات المسلحة ومسلحي قوات الجيش الشعبي التابعة للحركة الشعبية لتحرير السودان. وذلك عندما انخرط مقاتلوها في تلك المعارك بشكل كبير وكانوا في مقدمة الصفوف يحاربون جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة بل أن كافة المسؤولين والقادة العسكريين يحرصون على شكر وثناء عناصر هذه القوات عند حديثهم عن المعارك ا?حربية، كما حرص الرئيس البشير نفسه على تقديم الشكر لقوات الدفاع الشعبي عندما خاطب المصلين في صلاة عيد الأضحى الماضي بمدينة الكرمك عقب السيطرة عليها من قبل الجيش بشكل كامل. وعادت هذه القوات إلى العمل بكامل طاقتها كما كانت في سابق عهدها قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005، حيث كانت الحركة الشعبية تطالب على الدوام بحل هذه القوات والإبقاء على القوات المسلحة باعتبارها «مليشيا عسكرية» ولا تتبع للقوات النظامية وبالتالي يجب حظر عملها كما نصت الاتفاقية على حل كافة المليشيات العسكرية الموجودة في البلاد وقتها والإبقاء على القوات المسلحة والجيش الشعبي فقط. ورفضت الحكومة حل قوات الدفاع الشعبي وقالت إنها قوات نظامية لها قانونها المعروف وقواتها المدربة بانتظام وبعددها المعروف وهي تتبع تنظيميا للجيش السوداني بل انه في بداية مراحل تنفيذ الاتفاقية تم إلغاء اجتماع للجنة السياسية والعسكرية العليا بين الجانبين والذي كان مخصصا لمناقشة أوضاع المليشيات غير النظامية عندما وصف ممثلو الجيش الشعبي في الاجتماع الدفاع الشعبي «بالمليشيا» فما كان من رئيس اللجنة من جانب الحكومة الدرديري محمد احمد الا ان طلب من ممثلي الجنوب الاعتذار عن هذا الوصف فلما رفضوا خرج غاضبا وتم إلغاء الاجتماع برمته. غير أن الحكومة السودانية ومع رفضها لحل أو تسريح قوات الدفاع الشعبي الا انها اتجهت إلى تغيير صلاحيات هذه القوات العسكرية وتقليل الدعم الحكومي لها. واتخذ هذا الأمر طابعا رسميا عندما تبنى اجتماع لمجلس الوزراء عقد في 12 ديسمبر من العام 2005 اتجاها يقضى بتوجيه طاقات الدفاع الشعبي نحو العمل الاجتماعي والإعلامي وترسيخ وتقوية النسيج الاجتماعي. وعندما كثرت الأصوات المنادية خاصة من قبل قوى المعارضة بضرورة حلها انبرى الرئيس البشير بنفسه وقال بشكل حاسم ان هذه القوات لن تحل وستظل بندقيتها مصوبة في كافة مناحي الجهاد. واعتبر البشير قوات الدفاع الشعبي ابن الإنقاذ البكر. وفي هذا?الصدد يقول المتحدث باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد أن قوات الدفاع الشعبي جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة وهي ذراعها اليوم. وقال خلال اتصال هاتفي مع «الصحافة» يوم أمس أن قوات الدفاع الشعبي هي وحدة من وحدات القوات المسلحة الكثيرة وهي جزء أصيل منها وكل قادتها الكبار من الجيش، وأضاف قائلا:» الحديث عن حل قوات الدفاع الشعبي غير صحيح، وهى لم ولن تحل أبدا، وظلت في عملها منذ تكوينها ولم يتم تغيير اتجاهها». وحول عودتها من جديد ومشاركتها في العمليات العسكرية مع القوات المسلحة خلال معارك جنوب كردفان والنيل الأزرق قال الصوارمي» قوات الدفاع الشعبي لم تتوقف أبدا عن معاونة القوات المسلحة وظلت تقوم بأعمال جليلة وبطولية يشهد لها المقاتلون وستظل سندا للقوات المسلحة». وأنشئت قوات الدفاع الشعبي في أواخر العام 1989 بقانون خاص بها مع مجيء حكومة الإنقاذ الوطني بانقلاب عسكري ويقول نص القانون أن قوات الدفاع الشعبي «تهدف إلى تدريب أفرادها على أعمال الدفاع المدني والعسكري ورفع درجة الوعي الأمني ونشر الروح والتقاليد والانضباط العسكري لديهم، ليكونوا قادرين على معاونة قوات الشعب المسلحة والقوات النظامية الأخرى، عند الطلب». وبدأت هذه القوات بفتح معسكرات تدريب عسكرية لطلاب الشهادة السودانية قبل دخولهم إلى الجامعة، وتم إيقاف هذه المعسكرات وتبديلها بالخدمة الوطنية للطلاب. ويعتقد الخبير العسكري العميد متقاعد عبد الله ابوقرون أن الحكومة قررت تفعيل دور قوات الدفاع الشعبي بعد ان خف الضغط عليها بانفصال الجنوب عن الشمال، وعدم وجود ما يلزمها بتحويل صلاحيات هذه القوات إلى أغراض غير عسكرية. وقال خلال اتصال هاتفي مع «الصحافة» يوم أمس أن مقاتلي الدفاع الشعبي اكتسبوا خبرات عسكرية جيدة وصاروا جزءا من منظومة الجيش في الآونة الأخيرة « كان في الماضي بعض قادة الجيش يتذمرون من مقاتلي الدفاع الشعبي ويعتبرونهم دخلاء على الجيش لعدم معرفتهم الجيدة للقتال وحدوث بعض المشكلات في ارض المعارك.. ولكنني اعتقد أن الصورة تغيرت الآن بعدما اكتسب هؤلاء المقاتلون الثقافة العسكرية بعدما نالوا تدريبات جيدة مؤخرا». ويرى أبو قرون سببا آخر لظهور القوات الشعبي بهذه الصورة القوية بقوله «الجيش يحتاج فعلا لكل سند، ومن المهم جدا ان يشعر المقاتلون في الميدان ان هنالك من يقف معهم وأنهم ليسوا في جزيرة معزولة». ويبدو أن قوات الدفاع الشعبي ستجد أرضية أخرى وخصبة للانتشار بعد مرور «22» عاما على تأسيسها وبعد الدعم الرسمي الذي وجدته من كبار قيادات الدولة، ولا أدل على ذلك مما ذهب إليه رئيس اللجنة العليا للاحتفال بالعيد 22 عبد الرحمن عبد الحكم عندما أكد أن مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع على نافع سيخاطب تخريج أكثر «3500» مقاتل سيتم تخريجهم اليوم في احتفال يقام بساحة «سباق الخيل» هذا فضلا عن تأكيده أن عدد المقاتلين في صفوف الدفاع شعبي وصل إلى أكثر من «50» ألف شخص في عموم البلاد. نقلاً عن صحيفة الصحافة 14/12/2011م