بعد أيام قليلة من إعلان جنوب السودان انفصاله عن الشمال في التاسع من يوليو الماضي، وقتها كانت جوبا تتنفس نسائم الاستقلال وضجت شرايينها بموجة أمل بأن يكون الوضع الجديد فألاً حسنا عليها بعد أن ذاقت الأمرين في أزمان الحرب التي تطاولت لعقود. وجوبا كانت ودعت كل الضيوف الذين شاركوها نشوة الاستقلال كأنما كانت تريد التفرغ لنفسها بعد طول عناء بدت طرقات المدينة الرئيسية منها والفرعية في باكرة يوم مشمس خالية إلا من القليل من المارة وأطفال المدارس كانوا يلعبون ببقايا الألعاب من تلك التي صنعت للاحتفال بالاستقلال، و في لهوهم كانوا يترنمون بما علق في ذاكرتهم الغضة من كلمات نشيد الوطن الجديد التي لم يقووا على حفظ كلماته كاملة. والصبية وسط ترانيمهم حدث ما استرعي انتباههم وشده إليه حيث بدأ مشهد سيارة متوقفة يزينها علم تتوسط نجمة سيدنا دؤاد، المشهد شد انتباهي مع الجميع لقد كان علم إسرائيل، السيارة كانت تقف بالقرب من أحد المنازل ولم تمض دقائق حتى رأيت بعض الشباب الجنوبيون يتحلقون حول السيارة ويهتفون بالعلاقة الإستراتيجية بين جنوب السودان وإسرائيل على مدي الأزمان وبدا مظهر الشباب الهاتفين ومشهد الرجل الذي هم بركوب السيارة وقد ارتسمت على تقاطيع وجهه ابتسامة أنبأت أن الرجل الخمسيني سعيد بما يحدث حيث وشت الحادثة أن الفريقين يصران على إفشاء الصلة بينهما على الملأ وفي الهواء الطلق دون خوف من احد. منظر الشباب وهم يهتفون بإسرائيل وعلاقتها الإستراتيجية بجنوب السودان منذ بداية الحرب مع الشمال تصلح مقدمة للصلة التي طفت على السطح بعد أن ظلت طي الكتمان لسنين طوال، حيث بدأت الصلة بينهما تلوح في الأفق جلية بلا مواربة. وكثرت الإشارات الودية بين جوبا وتل أبيب كان آخرها ما فشا عن اعتزام رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت زيارة إسرائيل مستبقاً الزيارة التي يعتزم القيام بها رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو لجنوب السودان ضمن جولة إفريقية تشمل يوغندا وكينيا. ونقلت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية بأن الفريق أول سلفاكير ميارديت يعتزم زيارة تل أبيب قبل زيارة نتنياهو لإفريقيا ومضت الصحيفة تقول (بأن كير سيكون غضون أسابيع قريبة في أرض الميعاد).ونقلت عن مصدر سياسي أن الرجل عبر عن رغبته في ذلك. ويؤكد عضو الكنيست داني دنون انه ينوي توجيه الدعوة لرئيس جنوب السودان الفريق سلفاكير ميارديت للمشاركة في مناقشة مشكلة اللاجئين من جنوب السودان، وإعادة آلاف السودانيين إلى بلادهم ويري البعض أن أهمية زيارة سلفا إلي إسرائيل تأتي من زاوية أن الرجل سيدخل تل أبيب عبر بوابة واشنطن التي جاءت تلبية لدعوة الرئيس باراك أوباما للمشاركة في ملتقي واشنطن الذي نظمته الأخيرة خصيصاً من أجل تنمية الدولة الجديدة، وسيبدأ اليوم وعلي مدي يومين بمشاركة رؤساء دول عربية وإسلامية. فدخول سلفا لأورشليم من بوابة الولاياتالمتحدة يجعل الثانية تفتح له كل أبواب التعاون في كل المجالات التي يحتاج إليها الرجل لبناء دولته التي تحاصرها أزمات كبيرة على رأسها التمرد الذي يقوده منشقون عن الجيش الشعبي فضلاً عن مخاوف بعض الدول الجارة للجنوب من أن يصبح الجنوب ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية في المنطقة بعد أن رصدت حالات اشتباه لبعض منهم في وقت سابق بعد أن أقدم مواطن من دولة جارة ألقي قنبلة علي تجمعات مواطنين دون أن تنفجر بعد أن استطاع أحد منسوبي الجيش الشعبي كان بالقرب من موقع الحادث إبطالها وأخضع المواطن إلى تحقيق من قبل وحدة مكافحة الإرهاب في الجنوب والأمر الذي يقلق الكثيرين أن الدولة العبرية تريد أن تخلق لبعض رجال المال الإسرائيلي موقعاً في الجنوب بعد أن أصبح هناك تنازع عربي إفريقي في مجال الاستثمار وسط إحجام بعض الدول الكبرى عن الدخول في الاستثمار في الجنوب وتفضيلها العمل في النفط فقط. وبحسب حديث نائب رئيس جمهورية جنوب السودان رياك مشار فإن العلاقة بين البلدين في إطار التطور عقب انفصال الجنوب وأن الطرفين ينويان أن تكون العلاقة لفائدة الشعبين في الجنوب وإسرائيل، وعن إمكانية خلق حالة التقارب بين جوبا وتل أبيب في إحداث عدم رضا تجاه الأولي من قبل الدول العربية أشار مشار إلى أن السياسات الداخلية والخارجية شأن لا يمكن أن يتدخل فيه البعض منوهاً في حديثه ل (الأحداث) بأن نتنياهو سيزور جنوب السودان دون أن يحدد بشكل قاطع تاريخ القيام بالزيارة. وبحسب الجزيرة نت فإن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية السابق ألون ليئيل أشار إلى أن بلاده تبحث عن أهداف سياسية ومعنوية بعد قرارها السريع بالاعتراف بالدولة الوليدة مضيفاً أن إسرائيل تبذل جهوداً كبيرة لضمان معارضة من 30 إلي 40 دولة لإعلان الدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة، وأردف (حال صوتت جنوب السودان ضد الدولة الفلسطينية سيرقص إسرائيليون هنا في الشارع). وذهب عضو الكنيست عن القائمة العربية الموحدة إبراهيم صرصور إلي أن إسرائيل تبحث عن موطئ قدم لها في جنوب السودان – إضافة لمواطئ أخرى في القرن الأفريقي كاريتريا لمنحها فرصة لممارسة نفوذها في منطقة تعد إستراتيجية لمصر والسودان والأمن القومي العربي، ولم يخالف وزير شئون مجلس الوزراء وقال وزير شؤون رئاسة جنوب السودان ووزير الخارجية المكلف دينق ألور عن سابقيه كثيراً حين قال: بحسب الجزيرة نت إن مجالات التعاون بين تل أبيب وجوبا ستشمل المجال الزراعي والنفط والتعدين والطرق والجسور، مشيراً إلي أن علاقة بلاده بإسرائيل ستشمل الجوانب الدبلوماسية والاقتصادية ويري الخبير الاستراتيجي الرشيد أبو شامة بأن أي تقارب بين إسرائيل وجنوب السودان يفضي لآثار سلبية على الشمال منوهاً في حديثه ل(الأحداث) خاصة وأن إسرائيل تسعي لدعم جنوب السودان بالسلاح والتدريب والمال وبلاضافة لأنها تصنف السودان بين أعدائها في المنطقة لموقفه المساند للقضية الفلسطينية ويري أن على الخرطوم التحرك سريعاً في تفاصيل الزيارة التي ينوي سلفا القيام بها إلي إسرائيل حتى تسطيع أن تتعامل مع هذا الملف ونوه أبو شامة لضرورة الحذر من هذا التقارب. وفي مقابلة سابقة ل(الأحداث) مع اللواء جوزيف لاقو الذي شغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري، كشف عن زيارته إلي إسرائيل في أواخر الستينات وكان حينها قائد لحركة الأنانيا مؤكداً عقده لقاءات مع خبراء فنيين وعسكريين في الدولة العبرية. نقلاً عن صحيفة الأحداث 15/12/2011م