يبدو أنَّ أعراض الولادة المتعثرة لجنوب السودان منذ انفصاله فى يوليو 2011 من الدولة الأم لم تبارح جسد الوليد رغم دخوله شهره السادس ومع تباشير هذا العام الجديد لكنه يبدو أن جوبا لم تفيق من صدمة إلاّ ولحقتها الاخري .... وبعيدة عن حسابات رجال دولة لم يتمرسوا على إمتهان إدارة الدولة بقدر ما خبروا وتعودوا على إضرام النيران فى دولتهم الأم وهم ايضاً لم يفارقوا عقلية الطيش الطفولي وأصبحت قلوبهم وشخصياتهم أسيرة ومعلقة بجلباب الأم التى حاولت مراراً وتكراراً إرضاعهم حليب الوطنية والإدارة الرشيدة لكنهم آثروا الفطام المبكر على الإصغاء لنصائح الأم وبعد ذلك أضحوا يتباكون على فقدانها. دولة الجنوب الوليدة من الملاحظ ما يجري داخل أراضيها انه حينما تنطفئ نار الحرب فى منطقة سرعان ما أضرمت فى منطقة أخري ويظهر هذا جلياً مع تواتر الأنباء بحدوث أعمال عنف أخري أحداث مدينة البيبور فى ولاية جونقلي ويبدو ايضاً أن هذه الولاية لم يتذوق مواطنيها طعم الأمن والسلام وذلك لأن بؤرة التمرد على النظام فى جوبا اشتعلت منها فى نوفمبر 2010 تلك لولاية التى نبت فيها وسقت حيضان التمرد الولاية المكلومة على مقتل اكبر قائد لقوات التمرد وهو الجنرال جورج أطور، تبع مقتله بعد الأحداث المتفرقة ولكنها ليست ذات أهمية او تضاهي أهمية الاشتباكات التى نشبت بين كبريات القبائل وهى قبيلة النوير والمورلي التان تقطنان فى الاقليم وخلفية الصراع كما تدعي الحكومة فى جوبا هو تنافس على الماشية حيث تمثل الأبقار أحد معايير التفوق الاجتماعي فى الجنوب. والملاحظ أن لعنة الموارد الطبيعية تلاحق الدولة الوليدة؛ كما ألمحت وأشارت الى ذلك وزيرة الخارجية الامريكية كلينتون أكثر من مرّة . وبإسقاط رؤية تحليلية لإعادة قراءة الأحداث سياسياً يتبين عدة أشياء أهمها قبيلتي أو طرفيّ النزاع نفسها ومن الملاحظ ايضاً أن قبيلة النوير تلك القبيلة النيلية وهى من أكبر قبائل الجنوب إن معظم وإن لم يكن جلّهم قياداتها كانوا فى شقاق وصراع مع الحكومة فى جوبا وليس أدلّ على ذلك قائد الثوار الأول أطور وقلواك قاي وبيتر قايدث... أما الطرف الآخر من النزاع وهى قبيلة المورلي وهى قبيلة بدائية يعمل معظم أفرادها ويعتمدون على أساليب السطو والنهب المسلح من القبائل المجاورة فى الاقليم وهى دائماً ما كانت شوكة فى خاصرة الولاية وتهدد أمن الاقليم بأعمال إختطفاها لأبناء الدينكا والنوير والشلك . ومنذ عهود سابقة لم تقدر معظم الإدارات والسلطات الحاكمة فى الجنوب على الحد من نشاطها والتضييق عليها. ومن ضمن نشاطات قبائل المنطقة فى إذكاء التمرد لم يكن بالبعيد التحالف المعلن بين ديفيد ياوياو جنرال المورلي وقلواك قاي من النوير فى فالسابق والثورة على النظام في جوبا، لكن بمقتل الأخير تطورت الأحداث وتجددت اشتباكات بين القبيلتين ورغم ثبوت أسباب الصراع وأن الخلافات قد أدّت الى سقوط حوالي ألف قتيل فى ولاية جونقلي. وبالنظر الى هذا الصراع والصمت من جانب حكومة جوبا ثم دعواتها للأمم المتحدة لتدخل يتبيّن المستفيد الأول من هذا الصراع هو نظام جوبا نفسه وذلك لعدة أسباب . إن نظام جوبا ينتظر ما سيسفر عنه الصراع والفناء و...سيؤول الى كسر شوكة هاتين القبيلتين وبذا تهدأ الأوضاع فى هذا الاقليم وبإمكانها بعد ذلك إدارة الاقليم الغني بالنفط والسيطرة على ما تبقي من التمرد الذى أقلق منام نظام جوبا . ومن وجه ثاني جوبا تريد أن تدير رؤوس المجتمع الدولي عن ما يحدث من جانبها من انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان وتدعي على أن الوضع غير مستقر بداخلها وخاصة الاتهامات الموجهة لها من قبل الخرطوم بدعم التمرد فى النيل الازرق وجنوب كردفان خاصة بعد تقديم الأخيرة لمذكرة لمجلس الأمن لبحث قضية دعم جوبا للتمرد فى الشمال.