تستمر معاناة ضحايا الزلزال المدمر في هايتي للحصول على الطعام والماء والدواء، بعد مضي خمسة أيام على وقوع الكارثة. وبينما قدرت منظمات أميركية وأممية عدد القتلى بنحو 200 ألف، أعلنت الأممالمتحدة العثور على جثمان رئيس بعثتها في هايتي تحت أنقاض مقرها في العاصمة بور أوبرانس. وتتنامى مشاعر اليأس لدى السكان الذين يقيمون في مخيمات مؤقتة بسبب شح المؤن، في حين يتجول آخرون بين أكوام من ركام المباني المدمرة وجثث القتلى التي أصبحت منظرا مألوفا في العاصمة. ويعاني ضحايا الزلزال من نقص فادح في عدد المستشفيات والمواد الطبية في وقت ترتفع فيه أعداد المصابين بالكسور. وفي انتظار وصول المساعدات الدولية التي تأخرت بسبب تدمير معظم الطرق التي تربط بور أوبرانس بمطارها, تستمر معاناة ما لا يقل عن 250 ألف مصاب حتى الآن. في غضون ذلك أعلنت الأممالمتحدة العثور على جثمان رئيس بعثتها في هايتي التونسي الهادي العنابي تحت أنقاض مقر البعثة في العاصمة بور أوبرانس. كما أكدت المنظمة الدولية مقتل نائب العنابي البرازيلي لويس كارلوس داكوستا والقائم بأعمال قائد شرطة الأممالمتحدة في هايتي الكندي دوج كوتس. وقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي من المقرر أن يتوجه في وقت لاحق إلى هايتي، عن أسفه العميق لمقتل الثلاثة الذين رفعوا قتلى الموظفين التابعين للمنظمة الدولية في هايتي إلى 40 منذ وقوع الكارثة. كما وصلت إلى هايتي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للاطلاع على حجم الدمار الذي سببه الزلزال. وأجرت كلينتون محادثات مع رئيس هايتي رينيه بريفال في بور أوبرانس لبحث المساعدات الأميركية، وقالت للصحفيين: إن هدف زيارتها التأكد من أن بلادها تفعل كل ما بوسعها للمساعدة في جهود إغاثة منكوبي الزلزال. وتجيء زيارة كلينتون بعدما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن بلاده أطلقت أكبر حملة في التاريخ الحديث لإغاثة منكوبي زلزال هاييتي. وأعلن أوباما أن الرئيسين الأميركيين السابقين جورج بوش وبيل كلينتون اتفقا على إحداث صندوق خاص لجمع الأموال لدعم ضحايا الزلزال وإعادة الإعمار. وقد أرسلت قطر أطنانا من المعونات العاجلة إلى المتضررين والمنكوبين في الزلزال. كما وصل إلى عاصمة هاييتي فريق قطري للبحث والإنقاذ، وطاقم طبي متخصص في العمل في مناطق الكوارث. ويعتزم الهلال الأحمر القطري إطلاق نداء إغاثة لصالح متضرري الزلزال. وفي وقت سابق أمس الأول أغلق محتجون الشارع الرئيسي في العاصمة الهاييتية بإطارات مشتعلة ومتاريس وجثث، وطالبوا بإخلاء شوارع المدينة من الجثث المتعفنة التي خلفها الزلزال. كما ذكرت تقارير من العاصمة الهايتية أن آلاف الناجين من الزلزال بدؤوا النزوح منها، حيث قالت الأممالمتحدة: إنها سجلت تزايدا كبيرا في أعداد النازحين لاجتياز الحدود إلى جمهورية الدومينيكان، إضافة إلى موجة نزوح كبيرة تجاه المدن الشمالية لهايتي. كما أعلنت الأممالمتحدة أن منظمات الإغاثة التابعة لها تواجه مشاكل غير مسبوقة في إغاثة منكوبي هاييتي. في السياق ذاته احتجت فرنسا -المستعمر السابق لهايتي- على طريقة إدارة الولاياتالمتحدة لاستقبال المساعدات الإنسانية في مطار العاصمة بور أوبرانس، وذلك بعدما منعت القوات الأميركية طائرتين فرنسيتين إحداهما تحمل مستشفى ميدانيا من النزول على أرض المطار بسبب الازدحام. ومن جهتها احتجت حكومة هاييتي على المشاكل التي تسود مطار العاصمة، وعلى عدم إحاطتها علما بما وصلت إليه جهود إدخال المساعدات إلى البلاد. ودعا الرئيس الهاييتي الدول المانحة إلى تفادي المشاحنات والخلافات، وقال في لقاء مع منظمات إغاثة دولية في العاصمة: نحن في وضعية صعبة جدا، وعلينا المحافظة على هدوئنا والتنسيق بدل إلقاء الاتهامات على بعضنا البعض. وقالت الولاياتالمتحدة -التي تولت السيطرة على المطار استنادا إلى مذكرة تفاهم وقعتها مع حكومة هايتي- إن هناك مشاكل تقنية من شأنها تأخير وصول المساعدات ومواد الإغاثة بالسرعة المأمولة. مساعدات متأخرة وسرّعت المروحيات الأميركية وتيرة توزيع المساعدات في بور أو برانس بدون أن يكفي ذلك لسد حاجات السكان الذين يعانون من الجوع ويواصلون نهب المحلات، فيما بدأت فرق الإغاثة تصل تدريجيا إلى مدن أخرى دمرها الزلزال. وانضمت حاملة الطائرات الأميركية «كارل فينسون» إلى عمليات توزيع المساعدات في مطار توسان لوفرتور الذي ما زال يسجل اكتظاظا في الحركة الجوية، وتضاعف المروحيات التابعة لهذه القاعدة العائمة الضخمة رحلاتها فتتزود من المطار بالمواد الغذائية التي توزعها فيما بعد على سكان العاصمة البالغ عددهم 8.2 ملايين نسمة. وللمرة الأولى منذ الزلزال قامت إحدى الطائرات بإلقاء مساعدات وسط المدينة، فألقت ست رزم من الوجبات الغذائية في ملعب دلماس الرياضي. وغادرت المروحية بعدها فيما بقي المنكوبون يائسين، وقال رب عائلة ينام في الملعب منذ وقوع الكارثة: ظننت أنهم سيأتون حقا لنجدتنا. وهبطت مروحية أخرى في مرتفعات المدينة في حقل أحاطت به الحشود وتولى جنود أمريكيون تابعون للفرقة ال82 فرض الأمن فيه، وقد أنزلت الرزم في خمس دقائق. ويقوم الشرطيون بإطلاق النار في الجو لتفريق الهايتيين الذين يهرعون إلى المباني المهدمة بحثا عن الماء والطعام. ووسط هذه الفوضى المخيمة، تتواصل عمليات البحث غير أن مسعفا اسبانيا قال: إن الساعات ال72 الأولى تكون حاسمة. وبعدها تصبح فرص العثور على ناجين ضئيلة جداً. وتخشى فرق الإسعاف الحر الذي يتسبب بإصابة الناجين أو الأشخاص العالقين تحت الأنقاض بالجفاف. ووسط هذا الجحيم يفضل الكثيرون الخروج من العاصمة فيسعى المئات بعضهم يحمل حقائب والبعض الآخر لا يحمل شيئا للصعود في باصات قديمة تتوجه بهم شمالا. ويقول فردينان نيفوز وهو شاب دفع ثمانين دولارا ثمن نقله إلى مدينة كاب هاييتي: أريد الذهاب إلى مسقط رأسي. وبدأت عمليات الإغاثة تتجه إلى جنوب غرب العاصمة نحو مركز الزلزال ووصلت قافلة أولى من المساعدات السبت إلى مدينة ليوجان على مسافة 17 كم من بور أو برانس وعدد سكانها 134 ألف نسمة. وتشهد هذه المدينة دماراً هائلاً حيث أفادت الأممالمتحدة عن تدمير 90% من مبانيها في الزلزال، وقد شمل الدمار الفيلات الفخمة والكنيسة مرورا بالأكواخ الصغيرة على شاطئ البحر. كذلك أدى الزلزال بحسب الأممالمتحدة إلى دمار هائل في مدينة كارفور (334 ألف نسمة) القريبة أيضا من مركز الهزة وفي جاكميل.