قد يبدو عصيّاً علي التصديق أن دولة جنوب السودان الناشئة لتوِّها والتي لم تشبّ بعد عن الطوق وتمسك بخناقها عشرات المشاكل والتعقيدات هى الدولة الوحيدة فى المنطقة -إن لم يكن فى العالم بأسره- التى تضم أضخم معسكرات لتجنيد الأطفال الأيفاع توطئة للدفع بهم فى أتون المعارك الحربية التى يشنّها متمردون سودانيون - إنطلاقاً من دولة الجنوب - على الأراضي السودانية. ففي ولاية الوحدة وعلى وجه الخصوص فى منطقة تُدعي (فاريانق) يستقبل معسكر ضخم وعلى نحوٍ راتب عشرات الأطفال الأيفاع المختطَفين من مناطق مختلفة بعضها من دارفور وبعض آخر من جنوب كردفان وشمال كردفان . ويشير المجلس القومي لرعاية الطفولة السوداني فى هذا الصدد الي أنه أحصي حتى الآن نحواً من 900 طفل أخذوا من مناطق جنوب كردفان ومن سلارا وهيبان والبُرام مؤخراً، وتم تهريبهم الى معسكر (فاريانق) بولاية الوحدة والشروع فى تجنيدهم ليصبحوا جنوداً مقاتلين. وبالطبع لم يكن هذا العدد وحده هو الذى أمكن جمعه والدفع به الى هنالك، فقد أفادت متابعات (سودان سفاري) أن حركة العدل والمساواة تمكنت فى وقت سابق من انتزاع حوالي (ألفيّ طفل) من مناطق ومعسكرات لاجئين سودانيين فى تشاد ودفعت بهم الى ذات المعسكر فى ولاية الوحدة . كما أشارت متابعات (سودان سفاري) أن حركة العدل والمساواة بدأت فى هذا العمل منذ العام 2008 عقب الهجمة الشهيرة التى قادتها على العاصمة السودانية الخرطوم وتكبدت فيها خسائر فادحة وقررت منذ ذلك الوقت الاعتماد كلّيةً على الأطفال كجنود بغرض المحافظة على المقاتلين البالغين الذين بدأوا يضيقون بالمعارك بسبب تساقطهم السهل إما قتلي أو أسري تقدمهم السلطات السودانية تباعاً الى محاكمات. وتكشف متابعات (سفاري) أن حركة العدل والمساواة أخذت الفكرة عن الحركة الشعبية فى دولة جنوب السودان التى مارست إبان تمردها فى الثمانيات والتسعينيات من القرن الماضي ذات الممارسة، حيث كانت تخطف الأطفال قسراً وتجندهم فى صفوفها حتى لا يتآكل جيشها ويسقط قادتها ؛ كما أنها تضمن ألاّ يوشي بأسرارها هؤلاء الأطفال لأنهم لن يكون بحوزتهم شيء من المعلومات المهمة التى يمكن الاستفادة منها . إن دولة جنوب السودان بهذا المسلك غير الأخلاقي، إنما تدمر البنية البشرية التحتية للسودان بخلق جيل من الأطفال الأشرار المتشرِّبين بأقصي درجات الغِل و الحقد، وهى دون شك إستراتيجية إسرائيلية الطابع، الهدف منها إعادة تشكيل المستقبل إعتماداً على رجال المستقبل الذين هُم أطفال اليوم. كما أنها قد تدمر النسيج الاجتماعي للأسر السودانية بتشريد الأُسر والأطفال وتركهم ليعيشوا فى أجواء حرب وتعريضهم لخطر الألغام والمتفجرات والتدريب المُضنِي الشاق . ما من شك إن حكومة جنوب السودان تشنّ حرباً مختلفة وأكثر خطورة من الحرب العادية بفتح أراضيها لتجنيد أطفال سودانيين والدفع بهم الى معارك حربية. ولعل الأمر الأكثر مدعاة للأسى والأسف أن كل المنظمات الأجنبية وفى مقدمتها الأممالمتحدة بكل وكالاتها المتخصصة على علم بذلك وإن تظاهرت بغير ذلك، والأعجب من كل ذلك أنه وحين أبلغ المجلس القومي للطفولة هذه الحقائق لمسئول اليونيسيف فى الخرطوم وعدَ بالتقصي فى الأمر، وكان وعده مرتبطاً بوصول المسئول الجديد لليونسيف! وكلُّنا يعلم أن موعد وصول المسئول الجديد غير معروف والقضية عاجلة ولا تحتمل الانتظار وبالإمكان - إستناداً على ذلك - أن نَعِي ونفهم طبيعة تعامُل المنظمة الدولية مع مثل هذه القضايا وطبيعة المعايير التى تعتمدها فى هذا الصدد !