تجاوزت العلاقة بين دولتي جنوب السودان وإسرائيل، مربع التصريحات إلى مرحلة الفعل، بتعيين حكومة تل أبيب أول سفير لها لدى جوبا، وذلك برغم المحاذير التي انطلقت من عدد من الدول القريبة خاصة العربية منها، بأن تطور العلاقات بين الدولة الوليدة والكيان الصهيوني، من شأنه أن يؤسس لبؤر تكون منطلقا للمخابرات الإسرائيلية، لوقف ما تصفه تل أبيب بخطر التمدد الإسلامي في شمال القارة الأفريقية. واختارت وزارة الخارجية الإسرائيلية، حاييم كورين، ليكون أول سفير لتل أبيب لدى دولة جنوب السودان. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم الوزارة يغال بالمور، قوله إن كورين الذي يتحدث العربية ويتقن عدة لهجات سودانية، سيكون سفيرا غير مقيم لدى جنوب السودان وسيكون مقره في القدسالمحتلة. وأعلنت الخارجية الإسرائيلية أنها تعتزم مواصلة مجهوداتها لتعزيز العلاقات مع جنوب السودان، من خلال بدء عدد كبير من الشركات الإسرائيلية بالعمل في هذه الدولة لمساعدتها على تطوير البني التحتية. ومن المتوقع أن يصادق مجلس الوزراء الإسرائيلي قريبا على تعيين الدكتور حاييم كورين سفيرا غير مقيم لإسرائيل لدى جنوب السودان. ويأتي تعيين كورين المعروف برجل الموساد، في هذا المنصب بعد أسابيع قليلة من الزيارة التي قام بها رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، في 20 ديسمبر الماضي، إلى إسرائيل والتقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس شيمعون بيريس. يأتي تأكيداً للمخاوف التي أطلقتها حكومة السودان بشأن التعاون ألاستخباراتي بين الجنوب والكيان الصهيوني لزعزعة استقرار السودان. وكانت إسرائيل قد أعلنت على لسان وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان في 28 يوليو الماضي، أي بعد 19 يوما من إعلان استقلال جنوب السودان، اعترافها بالدولة الحديثة وإقامة علاقات دبلوماسية معها. وفي 10 يناير 2011م أعلن المهاجرون السودانيون في "إسرائيل" والبالغ عددهم نحو خمسة آلاف شخص، عن افتتاح أول سفارة لجنوب السودان في تل أبيب، بدعم ومساندة وزير الخارجية الصهيوني أفيجدور ليبرمان، لتكون الدولة الصهيونية بذلك أول دولة في العالم تعترف رسميًّا بالدولة الجديدة المنشقة. وقد فتحت زيارة سلفاكير لإسرائيل، في 20 ديسمبر الماضي، التي وصلها مفاجئة قادما من الولاياتالمتحدةالأمريكية، الأبواب أمام علاقات متسعة بين جوبا وتل أبيب، وهي الزيارة الأولى لسلفاكير منذ إعلان انفصال الجنوب في التاسع من يوليو الماضي. وقد وصف سلفاكير في تصريحات زيارته لإسرائيل بأنها تاريخية لأنها أرض الميعاد على حد قوله وأضاف "إن لإسرائيل فضل كبير في إقامة دولة جنوب السودان وسنقيم علاقات إستراتيجية وواسعة مع إسرائيل في مختلف المجالات "، بينما أكد بيريز استعداد إسرائيل لتقديم مساعدات اقتصادية وأمنية وكل ما تحتاجه دولة جنوب السودان ووصف الاجتماع مع سلفاكير بأنه "لحظة تاريخية "، مؤكدا أن إسرائيل دعمت وسوف تدعم دولة جنوب السودان في جميع المجالات لتطويرها وتقويتها. وصرحت مصادر إسرائيلية بان مباحثات سلفا كير مع الإسرائيليين تتناول التعاون الثنائي في المجالين الإنساني والعسكري ومشكلة اللاجئين الأفارقة في إسرائيل. وتم رفض اعتماد السفير الأول لتل أبيب لدي جوبا، في يوليو الماضي، من قبل جمهورية تركمانستان، وهي المرة الثانية التي ترفض فيها تركمانستان قبول اعتماد كورين، سفيرا لإسرائيل لديها. وعللت تركمانستان قرارها هذا بعد عشرة أشهر من الصمت حياله، بالقول إن كورين ليس دبلوماسيا؛ بل عميل للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية "موساد". ونقل عن وزير الخارجية التركمانستاني القول إنه لم يقبل أوراق اعتماد كورين الذي اختير في أغسطس 2010م، لشغل المنصب لأن سيرته الذاتية تؤكد أنه أمضى ثلاث سنوات مدرسا في كلية الأمن الوطني في غيلوت، بما يثبت أنه كان عضوا في "الموساد" أكثر من كونه دبلوماسيا. ولم تثمر محاولات ليبرمان المتكررة في إقناع الحكومة التركمانستانية بأن تلك الكلية ليست مؤسسة استخباراتية. وأصرت على أنها تريد سفيرا يهتم بالعلاقات الثنائية، وليس جاسوسا. وكانت تلك هي المرة الثانية التي ترفض فيها تركمانستان سفيرا إسرائيليا معينا لديها. فقد سبق عام 2009 أن رفضت قبول أوراق اعتماد روفين دانيال الذي سبق أن خدم أيضا في الموساد، وبعد هذا الرفض، عين ليبرمان دانيال سفيرا لدى أوكرانيا، وذكر ليبرمان في حينه أن تركمانستان رفضت دانيال لأنه طرد عام 1996م، من موسكو التي كان يعمل فيها رئيسا لمكتب الموساد، بعد ضبطه متلبسا بتسلم صور سرية من مسؤولين روس التقطت بالأقمار الصناعية. وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن وزارة الخارجية التركمانية كانت أبلغت الحكومة الإسرائيلية، أنها لن تقبل أوراق اعتماد المواطن الإسرائيلي حاييم كورين، الذي سمته الحكومة الإسرائيلية سفيرا لها لدى تركمانستان في أغسطس 2010، نظرا لوجود شكوك في جوهر العمل الدبلوماسي الذي يقوم به. واعتبرت السلطات التركمانية كورين جاسوسا وليس دبلوماسيا بعد ملاحظة سيرته الذاتية التي تتضمن عمله ثلاثة أعوام في كلية الأمن القومي في غيلوت. وتذكر الصحيفة، أن تل أبيب حاولت عبثا مرات عديدة التأثير على الحكومة التركمانية لاستقبال كورين، وأضافت أن مسؤولا تركمانيا رفيع المستوى قال لمسؤولين إسرائيليين: «نريد أن ترسلوا إلينا سفيرا يتعامل في العلاقات الثنائية، وليس جاسوسا لجمع معلومات عن إيران. من جهتها، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن كورين يعد خبيرا في شئون جنوب السودان، من خلال عمله الأكاديمي، وأوضح الدكتور سامح عباس في مقالة له بعنوان "دولة جنوب السودان.. ورقة إسرائيل الجديدة ضد العرب"، أن انهيار السودان وتقسيمه يحقق ل"إسرائيل" الكثير من المكاسب سواء السياسية أو الاقتصادية، والتي تتمثل أساسًا في أطماع الكيان الصهيوني في ثروات السودان الطبيعية، فعلى المستوى السياسي ، ومن خلال تقسيم السودان تستطيع "إسرائيل" كسر حلقة قوية من حلقات دعم المقاومة الفلسطينية، وهي السودان. فتوريطها في صراعات داخلية يجعلها تنشغل عن دعم المقاومة الفلسطينية، سواء كان دعمًا معنويًّا أو ماديًّا. كما أن إغراق السودان في تلك الصراعات سيسمح بالتغلغل المخابراتي الصهيوني إلى قلب الأراضي السودانية، لرصد التحركات الإيرانية داخل السودان، بعد أن تحولت في الآونة الأخيرة إلى ساحة صراع جديدة بين طهران وتل أبيب. وعلى المحور الاقتصادي، فالأطماع الصهيونية تتمثل في الثروات الطبيعية للسودان التي بدأت في الظهور مع بروز الدور الصيني في القارة الأفريقية عمومًا، وفي السودان على وجه الخصوص، لا سيما بعد توقيع الصين لعدد من الصفقات والاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية مع حكومة الخرطوم تقدر بمليارات الدولارات، خاصة وأن منطقة جنوب السودان تتمتع بثروات نفطية ضخمة واعدة؛ لذا فإن إقامة دولة جديدة مسيحية في جنوب السودان، والتي سبق لها وأن استعانت في الماضي ب"إسرائيل"، ستساعدها كثيرًا في حل مشكلة النقص في مجال الطاقة الذي تعاني منه دومًا. هذا إلى جانب المصالح الأمنية المتحققة لإسرائيل جراء هذا الانقسام والمتمثل في تزويد جنوب السودان بالسلاح اللازم لمواجهة أية اعتداءات من الخرطوم، وهو ما يعود بالفائدة على إسرائيل من صفقات بيع الأسلحة التي تدر مبالغ طائلة على الكيان الصهيوني، والتي تنعش خزينته السنوية بمليارات الدولارات. وأوضحت معاريف،بدايات هذا الأسبوع أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجادور ليبرمان كان قد وعد ممثلين من جنوب السودان قبل بضعة أسابيع بتعيين سفير لإسرائيل غير مقيم في جوبا، لافتة إلى أنه قد قرر الجانبان تشكيل لجنة مشتركة تنظر في التعاون بين البلدين خلال السنوات المقبلة.وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن العلاقات بين البلدين شهدت تطوراً سريعاً بعد إعلان دولة جنوب السودان عن استقلالها ولاقت اعترافاً وترحيباً دولياً، مضيفة بأن إسرائيل أرسلت عدداً من الوفد الرسمي إليها وعرضت تقديم المساعدة في كافة المجالات، وبالمقابل زار رئيس دولة جنوب السودان ميارديت سلفاكير إسرائيل نهاية العام الماضي لتعزيز العلاقات ومناقشة قضية مكافحة ظاهرة تسلل الأفارقة إلى إسرائيل. نقلاً عن صحيفة الرائد 12/1/2012م