ستواجه افريقيا جنوب الصحراء عدداً كبيراً من التحديات في عام 2012، بما في ذلك انهيار محتمل للسلام في أحدث دول القارة، جنوب السودان، وفشل الحكومة والمساءلة في أكبر دولها، جمهورية الكونغو الديمقراطية، واستمرار الفوضى والكوارث الإنسانية في أكثر دولها إخفاقاً، أي الصومال. ويعمل ظهور الشبكات الإجرامية وتطورها المتزايد، بما في ذلك القراصنة وتجار المخدرات والميليشيات والمتطرفون، على إضافة طبقة من الوحشية والتعقيد، تؤدي إلى تآكل المؤسسات الحكومية في بعض الحالات، وتحد من قدرة الدول حسنة النية على التركيز على التحديات الكبيرة المتعلقة بالنمو والتنمية وإيجاد فرص عمل لسكان أفريقيا، وهم في معظمهم من الشباب. وفي الوقت نفسه، ستواجه ثلاث من دول "الارتكاز" التي تعد أهم دول القارة، وهي كينيا وجنوب افريقيا ونيجيريا، تحديات داخلية حاسمة خلال العام الجاري. فكينيا، التي أصدرت دستورا جديدا في عام 2010، ستواجه مهمة التنفيذ الصعبة، وستخوض غمار أول انتخابات وطنية منذ الانتخابات الانقسامية والدموية التي شهدها عام 2007. وفي جنوب افريقيا، تقام الاحتفالات بمناسبة الذكرى المئوية للمؤتمر الوطني الأفريقي المنقسم على نحو متزايد واختيار الزعيم المقبل للحزب، في ظل التفاوت الصارخ في الثروات، وتصاعد مستويات الفساد، وارتفاع مستوى الإحباط الشعبي. أما نيجيريا، وهي الدولة الافريقية الأكثر اكتظاظا بالسكان، فهي تشكل مصدر قلق خاص، إذ ان الفشل المستمر في تنشيط اقتصاد المنطقة الشمالية من البلاد. وهجمات منظمة "بوكو حرام"، والفشل في تمرير تشريع لإصلاح قطاع النفط الحيوي ستثير في نهاية المطاف تساؤلات حول قدرة الحكومة النيجيرية على الإدارة. ومع بداية السنة، قد يثبت الإقصاء المفاجئ للإعانات البترولية، الذي أدى إلى مضاعفة السعر بالنسبة للمستهلكين المحليين، أنه أمر في غاية الخطورة بالنسبة لبقاء الإدارة الحالية في نيجيريا. وتكمن أكبر فرص افريقيا جنوب الصحراء في الطفرة الاقتصادية التي يتوقع أن تشهدها القارة في العام 2012، إذ ان العديد من الاقتصادات الأسرع نموا على مستوى العالم في عام 2012 ستكون في افريقيا. وحتى الدول التي مزقتها الصراعات سابقا، مثل الكونغو-برازافيل وليبيريا، يتوقع لها أن تحقق نموا يعتد به في الناتج المحلي الاجمالي خلال العام الحالي. وقد انضمت غانا الى رابطة الدول المنتجة للنفط، وأوغندا ستلحق بها قريباً، ويمكن لحقول الغاز الطبيعي الضخمة التي تم اكتشافها قبالة سواحل موزامبيق أن تحول البلاد من دولة عانت من الفقر في مرحلة من المراحل الى مصدر رئيسي للطاقة. وانضمت نيجيريا إلى قائمة الدول "الإحدى عشرة المقبلة"، أو ال"إن 11"، وهي اقتصادات العالم الأكبر نمواً، التي ستلي بلدان "بريكس" مباشرة في كونها محركاً للاقتصاد العالمي. من تنزانيا إلى أنغولا، ومن زامبيا إلى مالي، ومن اثيوبيا إلى بوتسوانا، تتشكل صورة جديدة للقارة السمراء، صورة تضم طبقة وسطى ناشئة من المستهلكين الجدد، الذين يطالبون بمطالب سياسية جديدة. وسيكمن التحدي الحاسم في الكيفية التي سيدار بها هذا النمو، وفيما إذا كانت الحكومات الافريقية ستنجح في التغلب على العوائق، التي طال أمدها، من سوء حكم وفساد ونقص في تمويل التعليم والصحة والقطاعات الأمنية، التي تعاني من العطب في العديد من البلدان الافريقية. وهناك أيضاً بعض القلق من أن ازدهار السلع الذي سيغذي هذا الرخاء قد يسفر عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص في كمياتها، وهو ما سيؤدي إلى نشوء اضطرابات، ما لم تتم إعادة بناء قطاع الزراعة. وكما أظهرت كل من تونس ومصر، فإن النمو الاقتصادي في غياب الإصلاح السياسي أو التوزيع العادل للمنافع يفضي إلى الثورة. المصدر: البيان الاماراتية 19/1/2012