في شهر سبتمبر من عام ألفين وأحد عشر، بدأت كتابة سلسلة من المقالات، نشرت في صحيفة( الرأي العام)، عن مؤامرات تفتيت السودان التي بدأ تنفيذها بفصل الجنوب. وكان من بين ما أوردت في ختام تلك المقالات السؤال الصعب الملح الذي طالبنا بالإجابة عنه وهو: فماذا نحن فاعلون لوقف هذه المؤامرات أو إبطال مفعولها؟ وفي حين استمرت حتى هذه المؤامرات حتى اليوم، لصوملته أو جعله عراقاً ثانياً، لا يزال هذا السؤال منتصباً أمام أعيننا بلا إجابة. وفي اعتقادنا أن الإجابة عنه قد أضحت أكثر صعوبة، وذلك بسبب التعقيدات الجديدة الي ألمت بالواقع السوداني، السياسي والاقتصادي على السواء. ما هي هذه التعقيدات؟ أولاً: بعد انفصال الجنوب حاولت قوى تابعة للحركة الشعبية، وبقيادة عبد العزيز الحلو فصل ولاية جنوب كردفان، أو جزء منها عن السودان، وذلك بقيادة تمرد عسكري. ثانياً: وقع تمرد مسلح آخر بقيادة مالك عقار، وقوات تابعة للحركة الشعبية لفصل ولاية الجزيرة عن السودان. ثالثاً: جرت محاولة، نجحت جزئياً، لانضمام إحدى الفصائل المتمردة المسلحة في دارفور، وبقيادة خليل إبراهيم، إلى قوات الحركة الشعبية في الجنوب. جرت هذه المحاولة بعد انهيار نظام القذافي في ليبيا، وفرار خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة، الدارفورية المتمردة منها، وسعيه للانضمام، مع قواته إلى جيش الحركة الشعبة في الجنوب. ومن المعروف أن هذه القوات ستدعم من قبل حكومة جنوب السودان، ومؤيدوها المعروفون، الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، لمحاولة إسقاط الحكومة السودانية. ولا تبذل حكومة الجنوب أي جهد لتخفي حقيقة انها تساند، وتستضيف في الجنوب القوى المعارضة للحكومة السودانية، سواء أكانت حزبية أو جهوية، وتشجعها، مادياً بالمال والسلاح، ومعنوياً لتواصل هجومها على الحكومة السودانية، وإسقاطها إذا كان ذلك ممكناً. رابعاً: بعد فشل مفاوضات أديس أبابا الأخيرة بين وفد حكومة جنوب السودان برئاسة سلفا كير، ووفد حكومة السودان بقيادة الرئيس البشير، وحضور مراقبين أفريقيين، لحل القضايا العالقة بين الطرفين، وهي قضايا الحدود، واقتسام النفط، ومشكلة أبيي، صعد الجانب الجنوبي الأزمة وأمر بوقف ضخ النفط عبر أنابيب تملكها حكومة السودان. خامساً: من الواضح أن تأزم الموقف بين حكومة السودان وحكومة الجنوب تقف وراءه، وتدعمه الولاياتالمتحدةالأمريكية، وإسرائيل. ولا داعي للاسترسال، أو توضيح الأسباب التي تدعو هاتين القوتين لدعم المواقف المعادية للسودان. سادساً: لقد أصبح النفط، إضافة إلى العروبة والإسلام، والتاريخ، من الأسباب التي تدفع الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل، لمواصلة العداء ضد السودان، وانتهاز أية فرصة تتاح للضغط عليه بمساندة دولة جنوب السودان أو غيرها. ولا ينبغي أن يغيب عنا، أو ننسى، أنه وحتى قبل التصعيد الأخير في المواقف بين حكومة السودان وحكومة الجنوب وأنصارها، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تخف قط عداءها السافر للسودان، والمتمثل في حنثها بوعودها التي قطعتها برفع الحظر عنه إذا أوفى بوعده بتنفيذ اتفاقيات نيفاشا، والتي كانت تعلم أن تنفيذها سيقود إلى انفصال الجنوب عن الشمال. ومن ناحية أخرى فإن الولاياتالمتحدة لم تخف قط دعمها العسكري والسياسي، والاقتصادي لدولة الجنوب بعد الانفصال. وتمثل ذلك الدعم في أخطر جوانبه وهو رفع الحظر الأمريكي عن إمداد دولة الجنوب بالأسلحة الأمريكية. سابعاً: لم تنس الولاياتالمتحدةالأمريكية قط، أنها كان من المفروض أن تحتل المكانة التي تحتلها الصين الآن في مجال صناعة نفط السودان. ولم تحظ الصين باستخراج نفط السودان، وتطوير إنتاجه، إلا لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية مكرت على السودان، وكان مكر الله بها أكبر. لقد كانت شيفرون شركة النفط الأمريكية العملاقة هي أول من استدعاه السودان للتنقيب عن نفطه واستخراجه. ولكن وبعد النتائج الإيجابية التي ظهرت لعمليات استخراج نفط السودان التي حصلت عليها تلك الشركة ، أمرتها أمريكا بعدم استخراجه، وذلك ليبقى احتياطياً كامناً تحت الأرض تستفيد منه شركات النفط الأمريكية مستقبلاً. ولن تنس أمريكا أن الصين خذلتها في هذا المضمار، حين استخرجت نفط السودان وجنت من ورائه الكثير من المكاسب، هي والسودان. ثامناً: معركة بين جبارين إن المعركة القادمة، وموضوعها نفط السودان في الشمال والجنوب، سيكون ميدانها السودان وما حوله. وإذا كانت الصين قد استطاعت في غفلة من الزمان ان تصبح في الماضي الدولة الرئيسية في عمليات استخراج نفط السودان وتسويقه، فإن الوقت قد حان لإعفائها من هذه المهمة حسب منطق أمريكا، طوعاً أو كرهاً. ومما يعقد مجريات الصراع القادم أن خبراء النفط الأمريكيين قد أكدوا أن مخزوناً للنفط قد اكتشف حديثاً في السودان، في مساحة تمتد على طول المنطقة الوسطى من أراضيه، وتصل إلى شمال دارفور. ولا شك ان في هذا الكشف الجديد ما يفتح شهية الأمريكيين لخوض معركة ضارية، ليس فقط لطرد الصين من عمليات استخراج نفط الجنوب، وإنما للإسهام في، أو احتكار استخراج النفط المكتشف حديثاً والقابع في الشمال السوداني. وهكذا، فمن المنتظر ان تدور رحى معركة ضارية بين عملاقين، هما الصين والولاياتالمتحدةالأمريكية حول استخراج واستغلال نفط السودان سواء في الشمال أو في الجنوب. ولا يظنن أحد أن الصين ستتخلى عن مكاسبها التي جنتها، ولا تزال تجنيها، من استخراج نفط السودان الجنوبي بسهولة و دون مقاومة. وعلينا أن ننتظر لنرى أي الاسلحة سيستخدمها العملاقان، الصين وأمريكا في هذه المعركة الطاحنة التي تلوح بوادرها في الأفق. ولا شك أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تتواني في استخدام كل الاسلحة المتاحة لها للإضرار بالسودان في استخدام كل ما لديها من قوة، لإنهاكه، أو إن شئت تفتيته، وصوملته، حتى تحقق مآربها. الفارق الوحيد في مشاهد هذه المعركة المقبلة هو أن أسلحتها ستختلف كثيراً عما كان معروفاً لناس من قبل. نقلا عن صحيفة الرأي لعام السودانية 31/1/2012م