على عكس ما تشهده الأراضي الليبية من برودة في الطقس وصلت الى حد تساقط الثلوج في سابقة تاريخية لم تشهدها ليبيا منذ عشرات السنين ، تمضي وتيرة الأحداث فيها بصورة ساخنة للغاية، حيث يستمر العنف القبلي المسلح الذي لم تهدأ وتيرته منذ إندلاع الثورة الليبيبة ضد نظام الراحل معمر القذافي ، بينما تحاول القيادة الليبية المؤقتة ممثلة في المجلس الإنتقالي السيطرة على العشائر المسلحة والحد من روح الثورة التي تشبعت بها تلك العشائر، ولعل المهدد الأمني يعتبر التحدي الأكبر أمام الحكومة الانتقالية، التي ما فتئت تبذل الجهود للحد من التفلتات الأمنية الداخلية والخارجية وذلك ببذل مساعٍ دبلوماسية مع دول المحيط الإقليمي لاسيما التي تمثل عمقاً إستراتيجياً أمنياً ، وبدا واضحاً إهتمام قيادة المجلس الإنتقالي بإقامة علاقات تكاملية مع دول الجوار الشرقي والجنوبي الشرقي - السودان ومصر ، فقد أعلن رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل، عن مثلث أمني سياسي يضم السودان ومصر وليبيا ،وأشار بكل وضوح الى ان حركة العدل والمساواة تمثل مهدداً للأمن الداخلي الليبي حتى بعد تحرير طرابلس وتقهقر القذافي الذي كان يوفر لها كل أنواع الدعم بدءاً من المال وإنتهاءً بتوفير السلاح ، حيث قال عبدالجليل إن حركة العدل قامت بعمليات نهب وتخريب واسعة بجبل (حساونة) بالجنوب الغربي لليبيا عقب تحرير طرابلس، كما فجرت المضخات المائية التي كانت تمد العاصمة الليبية بالمياه . وعلى الرغم من أن حركة العدل يممت وجهها نحو الجنوب بعد الإطاحه بحليفها القذافي ما يعني تلقص تأثيرها على المنطقة الشمالية والشمالية الغربية من البلاد، إلاّ أن خبراء أمنيين يرون أن خطة التكامل الأمني إن كُتب لها النجاح ستوفر المزيد من الأمن في المثلث الحدودي بين الدول الثلاث ، لاسيما وأن ثمة مسوحات جيولوجيه أكدت أن المنطقة غنية بالنفط ، وأفاد خبير أمني- فضل عدم الكشف عن هويته- « الصحافة « بأن المثلث الذي يقع في الشمال الغربي من السودان لطالما شهد مشاكل امنية للدول الثلاث وأضاف « ذات المثلث تتخذه الجماعات المسلحة المتخصصة في أعمال الخطف والنهب، نقطة إرتكاز تمارس من خلاله عملياتها التي أعاقت مرور حركة التجارة « مشيراً الى حادثة إختطاف السياح المصريين من قبل عناصر مسلحة قبل أكثر من عامين . ويُشكل المثلث الذي يتربع جبل عوينات عند منتصفه ليطل على الدول الثلاث أهمية إستراتيجية عظمى لتلك الدول لاسيما في حركة التجارة الحدودية التي تأثرت كثيراً بإنعدام الأمن حيث تسيطر على جبل عوينات مجموعة من مهربي البشر والسلاح مثّل إنعدام الأمن الداخلي في مصر ما بعد الثورة وليبيا ما بعد الإطاحة بالقذافي مرتعاً وبيئة خصبة لتنشط في تلك التجارة المربحة . لكن يسود إعتقاد لدى متابعين أن المثلث الذهبي الأمني لا جدوى منه في ظل فقد الأمن في العمق الداخلي لتلك البلاد ناهيك عن السيطرة على منطقة حدودية خلوية تبعد آلاف الكيلومترات عن الحضر تنشط فيها عشائر جبلية ، ويذهب اولئك الى أن حُلم إحياء وتفعيل المثلث الذهبي ظل يرواد الدول الثلاث منذ الحكومات السابقة ، و أن الطرح يُمثل فكرة استراتيجية بالغة الأهمية، طالما ألح علي قيامها المهتمون بالشأن الاستراتيجى فى أرض الكنانة، معتبرين أن النجاح فى تحقيقها يمثل إحدى حلقات النهوض بالدول الثلاث، وربما بالمنطقة العربية بأسرها ، لكنه حُلم يبدو الأن غير واقعي، وان تكرار الحديث عن إمكانية قيامه في الوقت الراهن لا تعدو كونها توجهات سياسية أضحت تعتلي أعلى درجات سُلم الاهتمام بين دول مصر وليبيا والسودان خاصة بعد التغييرات الجذرية التي طرأت على الساحة السياسية في كل من مصر وليبيا وتسيير البلاد بواسطة حكومات مهتمة فقط بما هو عاجل وإسعافي - الأمن والاقتصاد - أكثر من أن تركز إهتمامها على ماهو إستراتيجي ، حيث يرى المحلل السياسي المصري هاني رسلان ان مثل ذلك الحديث سابق لأوانه بإعتبار ان الأوضاع الداخلية لم تشهد إستقرارا في كل من القاهرةوطرابلس كما أن الحكومات القائمة حكومات مؤقته لا تستيطع وضع أهداف إستراتيجية بعيدة المدى ، وأضاف رسلان في حديثة ل( الصحافة ) أن تصريحات مصطفى عبدالجليل تعبر عن آمال وطموحات قديمة لشعوب الدول الثلاث، وذلك بإحياء المثلث الذهبي . وربما يعكس حديث رسلان بكل وضوح الطريقة التي تنظر بها مصر تاريخيا الى حدودها مع السودان وليبيا، وهى بكل تأكيد تصب في الاطار الامني، وقد تفيد الاشارة هنا الى التغطية الواسعة التي تجدها عملية تقديم مجموعة من المهربين السودانيين الى المحكمة الجنائية في مصر بسبب اقدامهم على تهريب الاسلحة. ولكن تلك المخاوف لا تقتصر على عملية تهريب السلاح فقط، ولكنها تشمل تهريب البشر، فقد اوضح قنصل السودان السابق في مدينة الكفرة محمد البله ان هناك عملية منظمة لتجارة البشر تنشط في المناطق الحدودية بين البلدان الثلاثة،وان البلاد اصبحت منطقة تجميع للراغبين في التهريب الى بلدان اخرى، حيث تنطلق العملية من امدرمان متخذة مسارات صحراوية طويلة لا تلتقي خلالها بأية قوات نظامية، وصولا الى الكفرة. واشار بلة الى ان طبيعة المناطق الحدودية القاسية بين البدان الثلاثة وشساعة مساحاتها لاتمكنها من احكام الرقابة عليها، الا انه قال ان السودان تمكن اخيرا من توفير طائرة خاصة للقيام بعمليات الرقابة الجوية. واكد القنصل السوداني السابق في الكفرة ل» الصحافة» ان تعاون البلدان الثلاثة امنيا هو الضمان الوحيد لتأمين الحدود المشتركة، واغلاق الطريق امام اية تهديدات تأتي منها. غير ان المخاوف الامنية مما يمكن ان تفعله الحدود المفتوحة اكبر عند المسؤولين الامنيين، من المكاسب والمنافع التي قد تتحق للبلدان الثلاثة، فكثيرا ما اعاقت التحفظات الامنية حركة تدفق السلع والبضائع بين السودان ومصر وليبيا. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 9/2/2012م