الوضع فى الجنوب هش للغاية ، هذه حقيقة لا ينكرها الا مكابر فدولة الجنوب تواجه واقعا غاية فى التعقيد و التأزيم فهى تواجه حروبا داخلية مشتعلة ومستمرة تقودها العديد من المجموعات والحركات الثورية الجنوبية المتمردة على الحكومة هناك ،بجانب ان دولة الجنوب تقود حروبا بالوكالة فى جنوب كردفان والنيل الازرق واحتضان ودعم حركات دارفور المسلحة التى تشن عملياتها العسكرية من الجنوب ، تشتت هذه الاقتتالات الداخلية والجهد الحربى الذى تبذله لمحاربة السودان ومقاتلته يضعها فى خانة الدولة الطائشة التى لا تدرى حجم قدراتها ولا تدرى أيضا الى اين سيقودها الطريق الذى سلكته! هذا الطريق قطعا سيتجه بها نحو حافة الانهيار ، خاصة وان القيادة هناك اتخذت منهج التعنت (والعناد) فى حلحلة مشكلاتها فما فعله سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب بخصوص نفط الجنوب يشير الى ذاك العناد( الطفولى) الذى لا يتناسب والمواقف (الصعبة) التى تواجهها دولة الجنوب ، فرفضه التوقيع على الاتفاقية الانتقالية حول النفط مع السودان التى عقدت على هامش قمة الاتحاد الافريقى الأخيرة بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا يؤكد انه لا ينظر لقضايا الجنوب بأفق واسع بجانب تهديده بتفجير المنشآت النفطية وأنابيب النفط ،و قبل ذلك إيقاف تصدير بترول الجنوب عبر الشمال . وبالأمس هدد سلفاكير (رئيس دولة الجنوب) بشن الحرب على السودان ورفع درجة الاستعداد الى أقصاها وسط كل الوحدات العسكرية بل دعا لتعبئة الشعب للحرب مع الشمال ووجه جيشه ان يبدأ الانتشار على طول الحدود المشتركة فى خطوة انتحارية إن هو أقدم عليها فالجنوب سيخسر كثيرا (جدا) ، أولا: لأن إمكاناته العسكرية والمالية لا تمكنه من تنفيذ خطته الماكرة هذه ومهما كانت هناك مناصرة من القوى الخارجية التى ظلت تغمره بالوعود(العرقوبية) فانه من الصعب نجدة الجنوب الذى سيغرق فى غمار حرب لا يعرف مداها، ثانيا: إن مقومات النزال بين الجنوب والشمال ستكون غير متكافئة فدولة الجنوب التى مازالت تحبو وتفتقد لأبسط آليات القوة لخوض مثل هذه الحرب التى ربما ستكون أقسى وأعنف من ذى قبل ، والمدهش ان سلفاكير الذى لوح بشن الحرب على الشمال أعلن ان تلويحه هذا كردة فعل لما أشار اليه رئيس الجمهورية بأن الحرب مع الجنوب واردة، بينما فى الواقع ان الحرب بدأت منذ وقت طويل من طرف واحد ، طرف دولة الجنوب التى ظلت تشعل الحرب بمناطق تواجه نزاعا مستمرا سواء فى جنوب كردفان او دارفور، فسلفاكير بتلويحه ذاك ينطبق عليه المثل القائل رمتنى بدائها وانسلت ! وإن كان الجنوب سيخوض حربا فعليه ان يتحسب لذلك لأن القوى الخارجية ستخذله لا محالة كما خذلته مرات ومرات فهذه الجهات تريد فقط تدمير بنيات الجنوب وان يظل فى حالة حرب ونزاع مستمرة بينما هى تقطف الثمار ، ثمار التدخل فى شئونها الداخلية بغرض حماية السلم والامن ومن ثم السيطرة عليه ، ولكن سلفاكير ورفاقه لم يفهموا ذلك ولن يسعفهم ذكاؤهم ان يفهموا! المدهش( ايضا) ان سلفاكير ما زال يثق فى تلك القوى الدولية التى تلعب لصالح (ورقها) خاصة فى قضية النفط فالنقاش الذى بدأ بين طرفى الخلاف (الشمال والجنوب) يالاتفاقية الانتقالية كان نقاشا حول قضية اقتصادية يفترض ان تحسم وفق التعاملات التجارية والاقتصادية ولكن تم تحويل هذا الملف الى قضية سياسية كبرى فوجدت حظا كبيرا من التدويل والمزايدات السياسية ما جعل سلفاكير ينفض يده مما اتفق عليه خلال القمة الافريقية الرباعية ،فهو بذلك أكد حقيقة واحدة انه لا يملك اتخاذ أى قرار بشأن بلاده وانه سيظل رهن اشارة اللوبى الخارجى المتآمر ليس على السودان بغرض إسقاط نظامه بل على الجنوب أيضا . ذاك اللوبى يدفع الجنوب دفعا نحو تدمير اقتصاده فهو الذى حرضه على إيقاف تصدير النفط عبر الشمال بل تدمير الأنابيب وتعطيل المنشآت البترولية وبحسب خبراء الاقتصاد والمختصين فى هذا المجال فان ايقاف ضخ النفط لفترات طويلة سيؤثر ليس على انابيب البترول فقط بل حتى على الآبار نفسها . عموما فإن إيقاف تصدير النفط سيؤثر اكثر وبشكل مباشر على الجنوب الذى يعتمد عليه كليا فى تغذية ميزانيته إذ ان بعض المعلومات تؤكد ان (60) مليار دولار سيفقدها الجنوب خلال السنوات القادمة جراء إيقاف تصدير النفط ، بينما تتسارع الخطى بالشمال لاستخراج النفط (الشمالى ) الذى اشارت الدراسات الداخلية والخارجية الى وجود كميات ضخمة من البترول تحت باطن الارض وقد بدأت بالفعل الكثير من الشركات الصينية والروسية فى التنقيب عنه وكادت الكميات المستغلة ان تكفى الاحتياج المحلى وربما يتم التصدير منه قريبا ، بينما بترول الجنوب يتجه نحو النضوب. فى ظل هذا الواقع المشرق بالشمال يواجه الجنوب واقعاومستقبلا مظلما حاول ان يخرج منه بلجوئه لمستثمرين من الخارج بغرض إنشاء خطوط لنقل البترول وتصديره عبر ميناء لامو بدولة كينيا ولكن التكلفة الباهظة وقفت حائط صد تجاه ذاك المبتغى إذ أكدت الدراسات استحالة بناء0 3% من مجمل الخط لمشكلات تضاريسية لا تقبل حتى النقل عبر السكة حديد ، هذا بجانب ان النفط الجنوبى سينضب بحلول 2030بل بدأ فى الانحسار منذ العام الماضى ما جعل الشركات الراغبة فى الاستثمارفى نقل النفط بالجنوب الابتعاد عنه . إذن من الأفضل للقادة بالجنوب ان ينظروا للأمور بعقلانية بعيدا عن الجنون السياسى وهيستريا الإحساس بالضعف والهوان ، فما يملكه الشمال أكبر وأغلى من بترول الحنوب الذى يلوح بإيقافه لمزيد من الضغط . نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 9/2/2012م