(الخرطوم لم تستخدم كل كروتها للضغط علي جوبا بعد وأنها يمكن أن تلجأ إلي الخطة "ب" لتحقيق ذلك) هكذا إفادات وزير الخارجية علي كرتي في برنامج مؤتمر إذاعي بإذاعة أم درمان ظهر الجمعة الماضي في معرض رده علي الحلول التي تمتلكها الخرطوم في مواجهة جوبا التي استخدمت وقف ضخ النفط ك(كرتي) ضغط علي جارتها الشمالية.. والخطة "ب"- بحسب كرتي – ربما تكون خطة دفاعية في المقام الأول. والمتابع للتصريحات المتصاعدة بين الطرفين للفترة التي سبقت توقيع (اتفاق وقف العدائيات بين السودان والجنوب وهي اتفاقية تسير في الجانب الإيجابي للعلاقات باعتبار أن تطوير وتحسين العلاقات بين البلدين هي في مصلحة الشعبين) أمس الأول في أديس أبابا يجدها أنها كانت مشحونة بالعدائيات واللغة الجافة, فكل المؤشرات كانت زاهية إلي أن الحرب بين الدولتين أضحت وشيكة أكثر من أي وقت مضي بينهما دون استعداد من كلا البلدين, وتعددت مؤخراً التفسيرات للخطة "ب" التي تنوني الخرطوم استخدامها ضد جوبا.. فيما يلي نحاول الاقتراب أكثر من تعريف الخطة "ب".. و(السودان – بحسب الناطق الرسمي باسم الخارجية العبيد مروح- يمتلك الكثير من الأوراق الضغط ضد حكومة الجنوب أو التي أحرقت كل ما لديها من أوراق وقد حان الوقت لنظر في استخدام الأوراق الأمنية). والتلويح بالأوراق الأمنية ربما هي عناوين فقط للخطة "ب" بالإضافة لكسبان المجتمع الدولي في صف الخرطوم وإن يستشهد عليه في التفاوض خاصة وأن الأفريقية وبين خطط كل الدولتين توجد تفاصيل صغيرة مخفية خلف السطور وتحت الصدور وتقاطعات واضحة, وقد يقول قائل بان الخطة "ب" التي سوف يستخدمها النظام هي الاعتماد علي الدعم الاقتصادي من بعض أصدقائه في الدول الخليجية لتأمين الوضع الاقتصادي كما سمعنا بأن ملياري دولار وصلت من قطر ساهمت في انخفاض سعر الدولار في السوق الموازي وبعد تأمين الاقتصاد يدعم النظام الحركات الجنوبية لزعزعة الاستقرار في الجنوب واستنزاف دولة الجنوب وجعل حقول البترول مسرحاً للعمليات. فالخطة (أ) كانت أخذ مبدأ الحوار مع دولة الجنوب حول النفط وبقية القضايا المتبقية ومن ثم أذا فشلت هذه الخطة وفي حالة عدم نجاحها يتم تفعيل الخطة (ب) والتي تعني وعلي حسب رأي بعض المراقبين بدء الحرب بصورة غير مباشرة من خلال دعم متمردي دولة الجنوب (حرب بالوكالة) ومنع مرور السلع الغذائية ووقف حركة البضائع (الورقة الاقتصادية), وعند إحداث مقارنة بين الخطتين نجد أن خطة دولة الجنوب (أ) كانت الوصول بكل مرحلة من مراحل التفاوض حول النفط إلي طريق مسدود وإفشال التفاوض في أديس أبابا وربط حل القضايا المتبقية به, ومن ثم معادة الخرطوم ودعم حركات التمرد ومحاولة جمعها في جوبا للخروج بمجموعة واحدة تؤثر في بحر السودان للنزاع حول الأطراف (سياسة شد الإطراف). لذا كانت الخرطوم واقعية وهي تلوح علي لسان وزير خارجيتها في التعامل مع جوبا بذات اللغة والمنطق وحتي أن كانت بعيدة عن المناهج السلمية فالشواهد تذهب إلي أن الجنوب ومنذ انفصاله لم يوقف عداه المتكرر والدائم باستمرار, لذا (التعامل بالمثل) كان هو الحل المناسب إلا أن الخرطوم آلت علي نفسها إن لا تلجأ لمثل تلك الحلول. وتلويح الخرطوم بالخطة (ب) ربما جاء بعد نفاذ الخرطوم لصبرها تجاه ما تقوم به جوبا من رسائل تهديد متكررة وإعلان متواصل وإن لم يكن بصورة صريحة عن نواياه بإسقاط حكومة الخرطوم وإن الخطة (أ) كان هدفها إقامة علاقات حسن الجوار والتعاون والتبادل بين الدولتين. وقرائن الأحوال تقول أن سلوك قيادات الجنوب أدي إلي تضيع الأمل في الدفع بعلاقات إلي الإمام وإن تصبح علاقات طبيعية إذن لماذا علي دولة الجنوب إن ترتعد فرائصها عندما تلوح الخرطوم بخيارات الخطة (ب)؟ سوف يكون مقابل الخطة (ب) لدولة الجنوب أن تتسارع الخطي بالرجوع علي طاولة التفاوض. الإجابة الطبيعية والمتوقعة والمنطقية تفيد أن دولة الجنوب وتعودت قياداتها في الحركة الشعبية علي شكل ونوع محدد من أنواع الصراع مع الشمال لكن واقع الحال وهي لا تمتلك حتي التصعيد لذلك كان علي قياداتها كما سارع نائب رئيس حكومة الجنوب د. رياك مشار بالظهور في وسائل الإعلام ليعلن إن الجنوب لا نية له ببدء حرب مع الشمال علي الإطلاق كما أنه سيرفع راية السلام والحوار داعياً الحكومة السودانية لتشجيع الحوار والتفاوض. وهذا المقولة يشجعها واقعها السياسي والداخلي للدولة تضربه الصراعات القبلية وجيش لم يخبر الحروب الدولية وحتي أنه لم يعتذر علي فك الأزمات والصراعات الداخلية في الدولة ناهيك أن يدخل في صراع مع جيش كجيش دولة السودان. لكن نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان د. حسين محمد حمدي كشف أواخر الأسبوع الماضي عن اتصالات أجراها بصورة شخصية مع وزراء الخارجية والدفاع والداخلية بشأن الخطة (ب) التي أعلنتها وزارة الخارجية, ونقل للصحافيين تأكيد الوزراء الثلاثة بعدم اعتماد السودان علي خيار استغلال عناصر مسلحة أو مدنية لتحريضهم علي بلدانهم. واعتبر حمدي أي حديث عن دعم السودان لمجموعات مسلحة ضد دولة الجنوب مجرد إشاعات وتهويل للأمور, وقال إنه ليس من مصلحة السودان زعزعة نظم الحكم في دول الجوار, وكشف عن زيارة تقوم بها لجنة الأمن والدفاع إلي جنوب كردفان الأسبوع المقبل للوقوف علي الأوضاع الأمنية فيها وكتابة تقرير بشأنها يرفع إلي رئاسة البرلمان. وقال حمدي إن تسامح الحكومة مع الحركة الشعبية مكنها من استغلال الموقف وإثارة البلبلة بالمنطقة, وقال إنه يري بصورة شخصية مشروعية جميع الخيارات للتعامل مع الحركة. عموماً فالتعامل مع جوبا لا يحتاج إلي خطة (ب) أو خطة (ج) وعلي الخرطوم الوصول معها لاتفاق مناسب مرض لهما, وأما أن تكون ل(الخرطوم) القدرة علي قول أنها أيضاً طويت هذا الملف, مثل جوبا ولن تعود إليه ثانية, أو أن توافق الخرطوم علي شروط جوبا, لتفوز ببضع سنتات من الدولار مقابل تصدير نفط الجنوب. والسؤال الذي يفرض هنا نفسه.. تري أي طرف من الطرفين لديه كروت بإمكانه إبرازها في وجه الطرف الآخر الخرطوم أم جوبا؟ الإجابة ربما نجدها بعد إطلاعنا علي خرجات المفاوضات الجارية حالياً بين الطرفين في أديس أبابا وعندها سوف نتأكد عما إذا كان للخرطوم كما أشار كرتي كروت جديدة ممكن أن تضغط بها علي جوبا في إطار ما أسمته بالخطة (ب), وهناك سؤال آخر فهل الخطة (ب) هي التي يقصدها الوزير كرتي, فوزير الخارجية ليس الوحيد من قادة الحكومة, الذي لوح بكروت مجهولة بل لوح الرئيس البشير نفسه صراحة بخوض الحرب مع الجنوب. إن فرضت علي السودان, حينما قال في ذات الحوار مع قناة النيل الأزرق: أن السودان مع جارته الجنوبية أقرب إلي الحرب منه إلي السلام وقال نائبه الدكتور الحاج آدم (إن صبر الحكومة تجاه الحركة الشعبية قد بدأ ينفذ, وإنه إذا دعا الداعي فإن جوبا ليست بعيدة). ويري مراقبون أن مثل تلك التصريحات ستخرس وللأبد بقايا أصوات تطالب بإقامة علاقات حسن جوار بين الدولتين, وأن تكون العلاقة التكاملية بينهما نموذجاً لأفضل علاقة بين دولتين جارتين, وهو الشئ الذي تعده الحكومة السودانية الآن أمراً غير واقعي, في ظل استخدام الجنوب كل الوسائل المتاحة من أجل إسقاط الخرطوم. يبدو أن الخرطوم أضحت أكثر واقعية الآن حيث دعا الرئيس البشير وزراءه إلي أن يتوقعوا الأسوأ مع الجنوب). نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 12/2/2012م