بقلم: عبد المحمود نور الدائم الكرنكي نقلت صحف الجمعة 17/فبراير تصريح السيد/ يحي حسين بابكر عضو وفد التفاوض مع حكومة جنوب السودان في العاصمة الأثيوبية، بأن حكومة جنوب السودان قد استدعت عشر بواخر لنقل أسلحة إلى الحدود مع السودان، حيث يتم نقل تلك الأسلحة والمعدات القتالية والعتاد الحربي من جوبا إلى مقاطعة (الرنك) في ولاية أعالي النيل. كما نشرت صحيفة (الفايننشيال تايمز) البريطانية في التقارير الأخبارية الصادرة يوم السبت 18/فبراير2012م، أن دولة جنوب السودان لن تتمكن من إنتاج النفط حالياً لعدة أشهر، وأن هناك خوف من توقف انتاج النفط لفترة طويلة. ونقلت الصحيفة عن الوكالة الدولية للطاقة إن دولة جنوب السودان لن تعود إلى الكمية التي كانت تنتجها قبل الأزمة الأخيرة، إلا بنهاية العام الحالي على أقل تقدير. ما وراء السطور في تقرير (الفايننشيال تايمز) يفيد بأن نفط الجنوب قد أصبح في مهب الريح. يذكر أن الحركة الشعبية قد استلمت من عائدات النفط حتى الإنفصال، ما لا يقل عن عشرة بليون دولار أنفقت معظمها في شراء الأسلحة (إستعداداً لحرب الجنوب الثالثة مع الشمال). وقد سبق لوكالات الأنباء أن نقلت تصريح اللواء (كول ديم كول) بأن سيتم تدشين القوات الجوية التابعة للجيش الشعبي، وإن شركات أمريكية تشرف على تنفيذ مشروع سلاح طيران الجيش الشعبي. كما يشار إلى أن رئيس دولة الجنوب السيد/ سلفاكير قد سئل عن قناة جونقلي فأجاب إنها ليست من أولوياته. تلك إشارات واضحة أن البناء العسكري لدى حكومة الجنوب، يأتي في المرتبة الأولى في ترتيب الأسبقيات قبل التنمية. تلك هي استراتيجية حرب الجنوب الثالثة مع الشمال، التي تشرف على تنفيذها دولة جنوب السودان. سياسة دولة جنوب السودان هي التسلُّح قبل التنمية. لذلك لا يعنيها تطوير صناعة النفط أو تصديره أو تنمية الجنوب أو القضاء على المجاعات المنتشرة. في ذلك الإطار يجب فهم فشل جولات التفاوض العديدة في أديس أبابا لاستئناف تصديرالنفط. حيث تصدير النفط النفط لا يمثل أولوية في برنامج دولة جنوب السودان العسكري. ستواصل دولة الجنوب بيع النفط في باطن الأرض بثمنٍ بخسٍ للشركات الأمريكية مقابل السلاح. سياسة التسلُّح وحرب الشمال التي تنتهجها دولة جنوب السودان، ستنتهي إلى دمار جنوب السودان. سواء بحرب أهلية جنوبية - جنوبية طاحنة، أو بانكسار كبير للجيش الشعبي على يد الجيش السوداني أو جيوش دول الجوار. بات من الواضح أن تصدير النفط لايمثل أولوية لدى حكومة جنوب السودان، كما أن قناة جونقلي لاتمثل أولوية في برنامج دولة الجنوب العسكري لاستئناف الحرب مع الشمال. ذلك بينما تنفيذ مشروع قناة جونقلي استحقاق تاريخي لتنمية الجنوب. إذ ترجع فكرة القناة إلى عام 1904م (تقرير وليام قارستين). حيث الغرض من القناة هو شق قناة تنقل مياه بحر الجبل مباشرة إلى النيل الأبيض. طول قناة جونقلي (360) كيلومتر، تبدأ من بور ومنقلا وتنتهي في جنوبملكال. توفِّر القناة (5) مليار متر مكعب من المياه. وقد كُتبت العديد من الدراسات والأوراق التي توضح التأثير الإيجابي الكبير لقناة جونقلي على تنمية الجنوب وبيئته وترقية الإنتاج الزراعي والحيواني والثروة السمكية. لكن تلك القناة ليست أولوية في برنامج دولة الجنوب العسكري. وقد كانت رسالة الدكتوراه لجون قرنق عن قناة جونقلي. حيث حصل على الدكتوراه من جامعة (آيوا ستيت) عام 1981م. وتجدر الإشارة إلى أن العمل في تشييد القناة بدأ عام 1978م لإنجاز المشروع بتكلفة (200) مليون دولار. غير أن الحركة الشعبية هاجمت قناة جونقلي عام 1983م وتوقف العمل بالقناة عام 1984م، عندما هجم الجيش الشعبي على معسكر شركة (CCI) الفرنسية ودمّر الآليات واعتقل موظفي الشركة. كان أول قرارات الحركة الشعبية وأول العمليات العسكرية للحركة الشعبية التي أعلنت تمردها في مايو 1983م هي الهجوم على قناة جونقلي ومناطق البترول ومطار جوبا. منذ مايو 1983م وبعد (29) عاماً، وحتى بعد الإنفصال، لم تتطوّر أفكار الحركة الشعبية في استهداف النفط وقناة جونقلي واعتماد سياسة التسلح قبل التنمية والحرب الدائمة مع الشمال. أعلن رئيس دولة جنوب السودان السيد/ سلفاكير أن قناة جونقلي ليست أولوية. وتعلن سياسة سلفاكير التي يشرف على تنفيذها بأن النفط ليس أولوية، وتعلن العشر بواخر لنقل الأسلحة إلى الحدود مع الشمال، وتعلن بلايين الدولارات التي أنفقتها الحركة الشعبية ودولة جنوب السودان في شراء السلاح بأن الأولوية الوحيدة هي حرب الشمال. منذ مايو 1983م تاريخ إعلان تمرد الحركة الشعبية وطوال (29) عاماً، لم تتطور أفكار الحركة الشعبية لاستيعاب أن السلام مع الشمال وقناة جونقلي والنفط تدعم تنمية الجنوب. لكن تنمية الجنوب ليست أولوية دولة جنوب السودان. حيث أن الأولوية هي لحرب الشمال. لم تزل تسيطر على الحركة الشعبية والجيش الشعبي وحكومة دولة جنوب السودان، أن إنشاء سلاح طيران واستيراد أرتال الدبابات الأوكرانية وشحنات المدفعية الثقيلة والصواريخ والقنابل هي أهم من تنمية الجنوب وتطوير اقتصادياته. الشغل الشاغل لحكومة دولة الجنوب يتمثل في حرب الشمال وديمومتها. هل تصعيد الإنفاق العسكري وصفقات الأسلحة الضخمة البليونية هي مشروعات التنمية التي يحتاجها الجنوب. قبل الإنفصال وبعد الإنفصال، لم تثبت الحركة الشعبية أنها معنية بتنمية الجنوب. حتى لحظة الإنفصال ظلت تنمية الجنوب هي شأن شمالي. فقد أعادت الحكومة الإتحادية بناء خط سكة حديد بابنوسة - أويل، وشيدت وحدة تنفيذ السدود سدّ مريدي الذي دمرته الحركة الشعبية، وشرعت وحدة السّدود في بناء سدود في الجنوب بتكلفة (600) مليون دولار من الخزينة الإتحادية، لكن إهمال النفط كما نشرت (الفايننشيال تايمز) وإهمال قناة جونقلي كما أعلن سلفاكير وإرسال عشر بواخر محملة بالأسلحة إلى حدود السودان وحرب الشمال ووضع الخيار العسكري في المرتبة الاولي في سلّم الأسبقيات (قبل تنمية الجنوب)، وبناء سلاح طيران، لكن كلّ ذلك لن يجعل الجيش الشعبي أقوى جيوش المنطقة. لن يجعله أقوى من الجيش السوداني أو الجيش الأوغندي أو الجيش الكونغولي أو الكينيّ. لقد قبضت حكومة الجنوب حتى لحظة الإنفصال ما لايقل عن عشرة مليون دولار أنفقت معظمها في صفقات الأسلحة. كم أنفقت على تنمية الجنوب. بعد فوات الأوان ستكتشف دولة جنوب السودان أن جيشها هو أضعف جيوش المنطقة. ستكتشف بعد فوات الأوان أن إنفاقها البلايين في التسلح لحرب الشمال سيكون عليها حسرة ووبالاً ثمَّ يغلبون. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 19/2/2012م