بقلم: عبد المحمود نور الدائم الكرنكي في أخبار أمس السبت 11/فبراير 2012م، جاء إعلان تقرير رسمي في جمهورية جنوب السودان عن اختفاء مبلغ (500) مليون دولار من خزانة حكومة الجنوب خلال الستة أعوام الماضية، أى الفترة من 2006 - 2012م. في مؤتمر صحفي عقده في جوبا أول أمس الجمعة 10/فبراير 2012م، وزير مالية الجنوب الأسبق آرثر أكوين اتهم اتهاماً صريحاً السيد/باقان أموم باختلاس (30) مليون دولار. برلمان الجنوب من جانبه استدعى رئيس البنك المركزي أليغا مالوك وآرثر أكوين للإجابة عن اختفاء (7) ملايين دولار. سبق ذلك مذكرة مستعجلة من أحد أعضاء برلمان الجنوب تطالب بالكشف عن قائمة تضم (17) قيادي في حكومة الجنوب متورطين في عمليات فساد. أمثال تلك الممارسات لعبت دورها في أن يحتل السودان خلال الأعوام 2005 - 2011م موقعاً ذيلياً في قائمة تقرير منظمة الشفافية الدوّلية. واضح من الفساد المالي في الجنوب، أن الحركة الشعبية، التي تفتقد في هيكل حكمها وجود (ديوان مراجع عام) يكتب تقريراً سنوياً عن الأداء المالى لحكومتها، كذلك تعاني كغيرها من الأحزاب السودانية شمالاً وجنوباً من غياب (آلية فحص الإنضباط الحزبي). تجدر الإشارة إلى أن حكومة الجنوب فقط في الفترة 2005م - 2009م، قد استلمت من صافي إيراد البترول مبلغ (7.3) بليون دولار. لكن أين هي المشروعات التنموية والخدمية التي تمّ تنفيذها أو يجري تنفيذها في الجنوب. أين تلك المشاريع الجنوبية التنموية والخدمية التي تتناسب مع ذلك المبلغ الذي استلمته حكومة الجنوب. لا أحد باستطاعته اليوم في الشمال أو الجنوب، أن يضع نقاط الإيرادات البليونيَّة على حروف التنمية أو الخدمات في الجنوب. إستلمت حكومة الجنوب منذ توقيع اتفاقية نيفاشا حتى لحظة الإنفصال ما يقارب مبلغ (9) بليون دولار من إيرادات البترول. لكن حكومة الجنوب التي تنقصها الخبرة والمهارة لإنجاز التنمية والخدمات في الجنوب، ولاينقصها الفساد المالى واسع النطاق، قد خصصت مبالغ البلايين من الدولارات لشراء صفقات الأسلحة استعداداً لحربها القادمة مع الشمال. حيث أن حكومة الجنوب المعنية بحرب الشمال وأصبح شغلها الشاغل الحرب القادمة مع الشمال، غير معنية بإنجاز انقلاب تنموي كبير في الجنوب. حيث تفتقد حتى اللحظة خارطة توضح المشاريع التنموية والخدمية التي جرى أو يجرى تفيذها في الجنوب. مرّة أخرى يتجدّد السؤال أين ذهب مبلغ (9) مليار دولار، استلمته حكومة الجنوب من صافي إيراد البترول خلال (5) أعوام فقط حتى لحظة الإنفصال. لماذا لم يظهر أى من تلك المبالغ البليونية، على الواقع الفعلي التنموي والخدمي في الجنوب. أين شبكات الطرق ومحطات المياه والمدارس والمستشفيات والكباري. على سبيل المثال كبري رفاعة - الحصاحيصا بلغت تكلفته (20) مليون دولار. كبرى شندي - المتمة (25) مليون دولار. كبري الدامر - أم الطيور بلغت تكلفته (37) مليون دولار. كبري دنقلا - السِّليم بلغت تكلفته (37) مليون دولار. تكلفة كبري المك نمر وكبري توتي وكبري الجريف المنشية كلها مجتمعة لا تزيد عن مائة مليون دولار، كلّ تلك الكباري السبعة لم تزد تكلفتها عن (220) مليون دولار. إذن أين ذهبت أموال البترول البليونية في الجنوب. هل ذهبت مع الرّيح. الصحافة الغربية تصف دولة جنوب السودان بأنها أفقر دولة في العالم. ولكن مواطن الجنوب حتى اليوم لم ير ترجمة السلام إلى تنمية. لم ير حتى اليوم أن السلام خير من الحرب. إلى ما قبيل الإنفصال دفعت الحكومة الإتحادية (62) مليون دولار هي تكلفة عقود دراسات الجدوى والتصاميم وإعداد وثائق عطاءات تنفيذ السدود الكبرى والمتوسطة في الجنوب، وهذه تكلفتها (600) مليون دولار التزمت الحكومة الإتحادية بدفعها. بعد الإنفصال اليوم الحركة الشعبية في الجنوب غير مهتمة بتلك المشروعات وغير معنية بتنفيذها، بقدر اهتمامها بزيادة التسلح. الحركة الشعبية أهدرت أرواح آلاف الضحايا واليوم تهدر أموال البترول البليونية ليس في الفساد وحده، بل في الصفقات الضخمة لشراء الأسلحة لتضع السودان كله شمالاً وجنوباً في سيناريو يوم القيامة السوداني. سيناريو الإنفصال واستدامة الحرب بصورة أخطر وأضخم. حرب متعددة الجبهات قريبة من عمق الشمال وأشد تصاعداً واشتعالاً. تلك حرب الجنوب الثالثة. حرب الجنوب الأولى استمرت من أغسطس 1955م حتى مارس 1972م. حرب الجنوب الثانية من مايو 1983 - يناير 2005م. حرب الجنوب الثالثة اليوم على الأبواب تدق طبولها. شحنات الأسلحة التي حملتها السفينة الأوكرانية وصفقات الأسلحة العديدة والخبراء العسكريون الأمريكيّون واعلان واشنطن الإستعداد لتسليح حكومة الجنوب (ضد الشمال)، كلّ تلك إشارات خطيرة في اتجاه وقوع حرب الجنوب الثالثة. شعار الحركة الشعبية (ليس بالفساد وحدها تحيا حكومة الجنوب، بل باستدامة الحرب مع الشمال). البُعد الأخطر في ضياع أموال البترول البليونية في الجنوب، ليس في الفساد واسع النطاق واختلاسات باقان واختفاء (500) مليون دولار، بل في زيادة الإنفاق العسكري البليوني وشراء الأسلحة استعداداً لحرب الجنوب الثالثة. الحركة الشعبية إستغلت الفترة الانتقالية (5 سنوات) بعد اتفاقية نيفاشا، باعتبارها هدنة تعيد فيها التسليح كماً ونوعاً استعداداً للحرب القادمة مع الشمال. خريطة السّودان المعلَّقة في مكتب السيد/ سلفاكير في جوبا، تقول الكثير المثير الخطر. نقول أنّ انفصال الجنوب هو الفصل الأول في تنفيذ مشروع بناء السودان الجديد. تقول خريطة سلفاكير مثلما بدأت الولاياتالمتحدة الأمريكيّة بخمس عشرة ولاية تصاعدت إلى (51) ولاية، كذلك يبدأ السودان الجديد بولايات الجنوب ريثما تلتحق بها تباعاً بقية الولايات السودانية. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 12/2/2012م