لم تكن عبارة وزير الخارجية علي كرتي رأياً بقدر ما كانت حقيقة، فأدق ما يمكن أن يوصف به علاقة الخرطوموواشنطن هو"التأرجح" فشهور طويلة مرت لم تستقبل صالة كبار الزوار بمطار الخرطوم ضيفاً أومسئولاً قادماً من واشنطن، حتى بعد أن حاولت الولاياتالمتحدة كسر الجمود الواضح بإرسال نائب وزير الخارجية الأمريكي جون وليم إلي الخرطوم، اعتذر المسئولون قبل 24ساعة بطريقة بها القليل من الدبلوماسية "مشغولين وما فاضين ويمكن أن نلتقي في أديس لو عايزين"،ووصلت الرسالة فوراً إلي واشنطن التي ردت عليها بطرق مختلفة بدءا باهتمام الخرطوم باستهداف المدنيين في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإعلان تدهور الأوضاع الإنسانية في المنطقتين، انتهاءً بأن الوضع في السودان بات ميئوسا منه. ويبدو أن علي كرتي حينما وصف العلاقة "بالمتأرجحة" وأن هناك عقبات تعترض مسار تطبيع علاقات البلدين، أراد أن يستبق الزيارات المقررة للمسئولين الأمريكيين في هذا الأسبوع بعد انقطاع دام عدة أشهر، والزائرون هذه المرة، المبعوث الخاص برنستون ليمان، الممثل الخاص للمجتمعات المسلمة فرح بانديت، نائب وزير الخزانة الأمريكي نيل ستيفن. أجندة الزيارة فمبعوث الرئيس الأمريكي الذي وصل أمس إلي الخرطوم سيجري لقاءات مع عدد من مسئولي الدولة أههم وزير الخارجية وأعضاء من وفد التفاوض، وتتضح أجندة الزيارة من خلال اللقاءات التي ستعقد، حيث سيبحث مع كرتي المؤتمر المرتقب في تركيا والخاص بالسودان بجانب إعفاء الديون فضلاً عن العلاقات الثنائية بين البلدين، وسيقف أيضاً مع رئيس وفد التفاوض الحكومي الوزير إدريس عبد القادر علي آخر تطورات مسار التفاوض في أديس أبابا بعد أن فشلت جولة المباحثات الثنائية بين الشمال والجنوب. وأشار الناطق باسم الخارجية العبيد أحمد مروح ل(السوداني) إلي أن ليمان يعتزم رفع تقرير إلي الرئيس الأمريكي والكونغرس بشأن مهمته في السودان، وذلك مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي بغرض إحاطة تلك الأطراف بشأن مهمته في السودان، مذكراً بأن السودان سبق وأعلن أن الأساس الذي تقوم عليه سياسته الخارجية هو الحوار معتبرا أن الزيارات المتقاربة قد تؤسس لرغبة أمريكية بتجديد الحوار، رغم أن مواقف الخرطوم معروفة ومعلنة لواشنطن إلا أن الناطق باسم الخارجية قال:" هذا لا يمنع من أن يكون هناك حوار لمزيد من توضيح المواقف". ومع أن كرتي اعتبر في تصريحاته الأخيرة أن الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما تحاول تطبيع علاقاتها مع السودان إلا أن أطرافاً ومنظمات ومجموعات ضغط تعمل علي تعكير صفو هذا التوجه، لكن المراقب للأحداث يري أن أوباما لم يحقق بصمة خارجية من خلال علاقات الولاياتالمتحدة مع الدول أو إنجازات داخلية بعد أن تدنت شعبية في أخر استطلاع للرأي أجراه معهد"غالوب"، حيث أشار الاستطلاع إلي أن مستوي رضا الناخبين الأمريكيين من الإدارة السياسية في البلاد"تاريخي في تدنيه" إثر تراجع 41% من مؤيديه السابقين. وبذلك قد تكون محاولات ليمان تتمثل في تجميع الأوراق الأخيرة التي يمكن إنجازها قبل انتهاء الفترة. شرح المهمة الممثل الخاص للمجتمعات المسلمة فرح بانديت عينتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في عام 2009م، هي في العقد الرابع من العمر، مسلمة، أصلها من منطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان، عاشت معظم حياتها في أمريكا وتنقلت في عدد من المواقع، زارت عدد من الدول الإسلامية، تتمثل مهمتها في معرفة آراء الشارع المسلم والتحدث مع المسلمين العاديين والوصول إلي أماكن جديدة لبناء شراكة مع الأجيال الجديدة من الشباب وليس فقط مع الحكومات، وقد أكدت بانديت من قبل أن هدفها هو الحصول علي أفكار وآراء مختلفة من شأنها المساهمة في التقارب بين أمريكا والعالم الإسلامي، وتجري بانديت اليوم ( الأحد) في السفارة الأمريكيةبالخرطوم لقاءً تفاكرياً مع بعض الإعلاميين حول المهمة التي جاءت من أجلها ومن المقرر أيضاً أن تلتقي بعدد من منظمات المجتمع المدني ومهمتها تعتبر بعيدة من السياسية لكن قريبة منها أيضاً، إن تمت الإشارة إلي أن أهم الأهداف التي تسعي الولاياتالمتحدة لتحقيقها نيل وكسب ثقة المسلمين في جميع أنحاء العالم. معالجة الديون قد تبعث الإدارة الأمريكية نائب مساعد وزير الخزانة لدائرة الشرق الأوسط وأفريقيا أندرو باكول وليس نائب الوزير نيل ستيفن الذي اعتاد زيارة الخرطوم، وتبدو أجندة الزيارة واضحة متمثلة في كيفية معالجة ديون السودان الخارجية ورفع العقوبات الاقتصادية عنه والاستفادة من الفرص المتاحة بين البلدين، ومن المقرر أن يلتقي وزير المالية علي محمود الذي أكد لوفد الخزانة خلال زيارته السابقة أن السودان استوفي كافة الشروط الفنية التي تؤهله لمعالجة ديونه الخارجية عبر مبادرة الدول المثقلة بالديون (الهبيك)، بما في ذلك التزامه بإنفاذ البرنامج الاقتصادي وإعداد إستراتيجية الفقر التي قال إنها في مراحلها النهائية. ومعلوم تشكيل لجنة فنية لمعالجة ديون السودان باقتراح من الولاياتالمتحدة في الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين في عام 2010م ورغم أنها عقدت العديد من الاجتماعات إلا إنها لم تصل لنتيجة ملموسة. الناطق باسم الخارجية السفير العبيد مروح قال ل (السوداني ) إن الولاياتالمتحدةالأمريكية عبرت عن قلقها حول الأوضاع الإنسانية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، إلا إن السودان أكد أنه أحرز تقدماً واضحاً في هذا الملف وهو ما ستبلغ به الإدارة الأمريكية. والجدير بالذكر أن برنامج المعونة الأمريكية في السودان يرتكز علي المساعدات التنموية في دارفور، وأبيي، جنوب كردفان والنيل الأزرق وهو الأمر الذي سيناقش بعد أن أعلنت واشنطن في تصريحات قبل أسبوعين: أن العالم لايمكنه أن ينتظر المجاعة دون القيام بأي شئ في مناطق السودان المهددة بالمجاعة، واعتبرت علي لسان ليمان أن الوضع ميؤوس منه، وحذر الخرطوم من أن واشنطن تنوي تخطي موافقتها وإيصال المساعدات الإنسانية. نقلا عن صحيفة السوداني السودانية 19/2/2012م