أصاب الحرج السياسي والحقوقي البالغين حكومة جنوب السودان جراء إحتجازها المطوَّل وغير المشروع للواء تلفون كوكو، أحد أبرز قادة الحركة الشعبية المنحدرين من قبيلة النوبة بولاية جنوب كردفان، فقد قضي الرجل حتى الآن أكثر من عامين رهيناً لمعتقلات الحركة الشعبية فى جوبا دون أن توجه له تُهمة أو يُقدم لمحاكمة أو يُعلن رسمياً عن طبيعة المخالفة التى ارتكبها ليبقي كل هذا الوقت. وتشير مصادر سياسية قريبة من ذوي اللواء تلفون الى أن السلطات الجنوبية ونتيجة لما باتت تستشعره من حرج سياسي جرّاء هذا الاعتقال فقد لجأت الى أحد الحيل الماكرة فى محاولة منها للإفراج عنه ولكن بثمن، وتشير متابعات (سودان سفاري) الى أنّ عناصراً من استخبارات الجيش الشعبي ووفق توجيهات سياسية من قادة سياسيين بحكومة الجنوب قدمت عرضاً للواء تلفون كوكو مؤخراً فحواه أن يقرّ اللواء كوكو (علناً) وفى الأجهزة الإعلامية الرسمية بأنه مدعوم من حكومة السودان لزعزعة استقرار دولة جنوب السودان, ومن ثم يتم الإفراج عنه ليلحق بمناطق العمليات فى ولاية جنوب كردفان مقاتلاً للجيش السوداني ومسانداً لمجموعة عبد العزيز الحلو. ولم تستبعد مصادر سياسية تحدثت ل(سودان سفاري) فى العاصمة الجنوبيةجوبا أن تكون هذه الصفقة من بنات أفكار بعض قادة قطاع الشمال بالحركة الشعبية الذين بلغ بهم الحرج السياسي مبلغاً كبيراً بحيث حاصرتهم قبائل النوبة السودانية بأسباب اعتقال اللواء تلفون لكل هذه المدة دون تهمة، ودون سبب واضح، فى ظل الحرب الدائرة فى ولاية جنوب كردفان . وترجح المصادر أن تكون الصفقة التى رفضها اللواء كوكو بشدة القصد منها فتح الطريق أمام اللواء كوكو للسفر الى جنوب كردفان، ومن ثم تجري عملية إغتياله داخل ميدان القتال بأيدي عناصر من استخبارات الحركة، على أن يُتهَم بالعملية بعدها الجيش السوداني، أو على الأقل تبتعد التهمة تماماً عن حكومة جنوب السودان, وتتخلص نهائياً من الرجل، بعيداً عن أى تبعات أو ذيول سياسية وأمنية. ولعل هذا المسلك الشائن لحكومة جنوب السودان يكشف عن طبيعة الذهنية السياسية غير الرشيدة لقادة الحكومة الجنوبية؛ فاللواء كوكو هو الآن ليس مواطناً جنوبياً وإنما هو مواطن سوداني ولا يجوز لحكومة جنوب السودان ومهما كانت طبيعة التهمة المحتجز على أساسها، إحتجازه على هذا النحو وبالمخالفة لكافة القواعد الحقوقية، ليس ذلك فحسب، ولكن حكومة جنوب السودان لا تستكنف من أن تسعي لتصفيته بطريقة ملتوية تبدو فى ظاهرها وكأنها صفقة عادية وهى ليست كذلك . إن الواضح هنا ان اللواء تلفون يمثل أزمة بالنسبة لحكومة جنوب السودان مع كونه رجل واحد وهذا يعني أن اللواء كوكو يمثل بُعبعاً مخيفاً لحكومة جنوب السودان أعيتها كافة الحيل فى الخلاص منه. ولعل مما يؤسف له فى هذا الصدد أن حكومة جنوب السودان تستفزّ وعلى نحو مُتعمّد مشاعر مواطني جنوب كردفان وهم الذين قاتلوا فى صفوف الحركة الشعبية لعقود، مستهينة بما يمكن أن يترتب علي مسلكها تجاههم، هذا مع أن المتمرد الحلو الذى حلَّ ضيفاً على حكومة الجنوب فى أمسّ الحاجة الى قبائل النوبة التى ينتمي لها كوكو فى قتاله الجاري ضد الحكومة السودانية . إن ما يُستشف من هذا المسلك أن الحركة الشعبية الحاكمة فى جنوب السودان ليست لها من مبادئ أو أخلاق حتى مع منسوبيها وقادتها، وتستطيع التضحية والتخلص من كل ما لا يروق لها بذات هذه الطريقة وبذات هذه البساطة .