حمى الإنتخابات أصابت الجميع، ولا صوت يعلو هذه الأيام فوق أصوات المتدافعين نحو لجان ومفوضيات الانتخابات، بغرض تأمين فرص ترشحهم واستكمال إجراءات قبول طلباتهم واستيفاء الشروط الواجبة لخوض هذه المعركة التي سيحمى وطيسُها بلا شك إذا سارت الأمور حتى الميقات المعلوم في أبريل القادم. من المفترض أن تكون هذه الانتخابات تنافسًا متاحًا للجميع لا مجال فيه غير أن يعرض الجميع بضاعتهم السياسية للجماهير، ويحدِّدوا برامجهم وتوجهاتهم وأهدافهم، وبدأت بعض هذه البضاعة والبرامج تظهر في الساحة السياسية، لكن الذي لا نستطيع فهمه محاولة التدليس ومنع الالتباس، كالذي يجري من بعض الأحزاب الصغيرة التي لا تُرى بالعين المجردة مع المؤتمر الوطني! بدأت رموز وقيادات هذه الأحزاب الصغيرة المشاركة في الحكم التفاهم مع المؤتمر الوطني، وعقد صفقات معه، لإتاحة الفرصة لها، لولوج البرلمان عن طريق تنازل المؤتمر الوطني وانسحابه من بعض الدوائر وتركها لقادة هذه الأحزاب مع دعمها ومساندتها للظفر بها، وذلك في إطار تحالف سياسي يعتبر وصلاً للتحالف الذي ظل قائمًا منذ قيام حكومة الوحدة الوطنية وقبلها عندما احتضن الوطني شظايا الأحزاب المنشطرة عن غيرها وتحالف معها. مثل هذه المعاملات معروفة في العملية السياسية، وهي جزء من التكتلات الانتخابية التي تقوم، لكن الصيغة المطروحة بها الآن هي صيغ للتسوية والترضيات لا تفيد المؤتمر الوطني، بل تخصم من رصيده، فإذا كانت الأحزاب الصغيرة وقياداتها لها أوزان وجماهير فمن الأفضل لها ولحليفها المؤتمر الوطني أن تأتي عبر التفويض الشعبي المباشر وعبر قواعدها هي، وليست عبر قواعد المؤتمر الوطني في الدوائر التي يتم التنازل عنها، فالتحالف يجب أن يتم بعد الانتخابات لا قبلها، فهذه الأحزاب يجب أن تختبر وحدها قدرتها على العمل السياسي المفتوح وفي التنافس المباشر وليس عن طريق الصيغة الطفيلية التي تجرى الآن، وهي صيغة ليست عادلة ولا مقنعة، فانسحاب المؤتمر الوطني من أي دائرة وتوجيه جماهيره وقواعده للوقوف خلف مرشحٍ ما من الأحزاب الأخرى الحليفة لا يُعد نصراً وفوزاً لهذا الحزب القزم، إنما هو فوز للمؤتمر الوطني لكنه عبر النافذة وليس عبر البوابة الواسعة.. فهناك دوائر تم اعتمادها من المؤتمر الوطني لبعض قادة الأحزاب ولحركة مني أركو مناوي ولحلفاء آخرين، فما الذي يريده هذا الحزب الكبير الممسك بالسلطة من قرنيها ورجليها وأذنيها وأثدائها من هذه الأحزاب العاجزة عن نيل ثقة الجماهير إلا عبر الصفقات والتسويات السياسية والاتفاقيات وراء الأبواب الموصدة؟ الأفضل من هذا كله أن لا يقيم أي حزب تحالفاً سياسياً بهذه الصيغة ولينتظروا حتى انجلاء المعترك الانتخابي، ثم ينظر كل طرف في ما حققه حليفُه المرتقب ووزنه وفائدته السياسية وأهليته ليكون حليفًا. مثل هذا السلوك سيكون مدمراً للحياة السياسية لأنه لا يقوم على حقائق موضوعية، ولا على فرز حقيقي للكتلة والحجم المفترض توفره لأي حزب. المؤتمر الوطني ربما يريد إرضاء وكسب حلفائه الحاليين بأي ثمن، حتى وإن كان على حساب قواعده وقياداته المحلية التي تتطلع مثل غيرها لتمثيل مناطقها وأهلها ولا تنتظر مثل هذا المصير الذي يقرره المصدر ويصدر لها الخيار الذي لا تريده ويلزمها باتباعه! نقلاً عن صحيفة الانتباهة 21/1/2010م