فى نقلة نوعية أعادت إلى الأذهان قصة خروج حزب الأمة من التجمع الوطنى الديمقراطى، فجر حزب المؤتمر الشعبي في الأيام الفائتة مفاجأة من العيار الثقيل عندما أعلن بصورة قاطعة، ومربكة في نفس الوقت لحسابات الكثيرين فى تحالف قوى جوبا، رفضه تأجيل الإنتخابات، أو مقاطعتها. وهو الأمر الذى عده البعض بالتحالف، تطوراً خطيراً يشق صف المعارضة، وينذر بتقارب وشيك بين رفاق الأمس من الإسلاميين حسبما جاء فى صحف الخرطوم صبيحة يوم أمس الأول الجمعة. وفى ذات الصبيحة، ذهبت بترتيب مسبق إلى السجانة، حيث منزل الأمين السياسي للمؤتمر الشعبى الأستاذ كمال عمر بعد أن سبقتنى إلى هناك، الكثير من التساؤلات، وربما الإتهامات. فأجاب عن الأولى، وفنّد الثانية بمرافعة محامى بدا على درجة من المهارة فى التعامل مع المطبات السياسية..: ----- * ما هى الحيثيات التى كانت وراء إتخاذكم فى المؤتمر الشعبى لقراركم برفض تأجيل الإنتخابات أو مقاطعتها؟ - أنا فى تقديرى إن هذا الموقف ليس غريباً، وإنما هو موقف إتخذ مسارات مختلفة منذ قيام المفاصلة، ونحن أصيلون كحركة إسلامية فى مسألة الإنتخابات، وكل الصراع الدائر حول السلطة والثروة والتحول الديمقراطى مربوط بعملية الإنتخابات ولا يوجد شخص يتحدث فى السودان الآن عن أنه يريد أن يصل إلى السلطة عبر السلاح أو بتمرد عسكرى فظرف السودان لا يقبل إنتفاضة لإحداث تحول ديمقراطى والمتاح هو الإنتخابات.. * السؤال بشكل محدد عن الحيثيات وراء القرار؟ - طبعاً أنت تعرف أن قرار المشاركة فى الإنتخابات ورفض التأجيل والمقاطعة، لا يصنعه الأمين العام أوالأمانة السياسية، وإنما هيئة قيادة مفوضة فى الأمانة العامة جلست وتدارست الخيارات المتاحة فى الساحة وقدرت أن المناخ الآن وفقاً للترتيبات التى عملناها - حيث رشحنا (923) مرشحاً وإستفدنا من مناخ الإنتخابات بكلياته ونزلنا إلى قواعدنا- وقدرنا أننا فى هذا المناخ، ورغم السوء فى القوانين والتضييق الحاصل وإستغلال الوطنى لخزينة الدولة، سنحقق نتائج نستطيع من خلالها أن نؤثر على شكل الحكم الموجود ونجعل من قضية التحول الديمقراطى نحو الحريات والشورى قيمة مهمة جداً لا تحققها المقاطعة. * ألا ترى أنكم متفائلون قليلاً، أو ربما كثيراً، بتحقيق نتائج كالتى ألمحت إليها، فى وجود الوطنى وأحزاب أخرى من الوزن الثقيل؟ - إتضح أن المؤتمر الوطنى ومن خلال إستئثاره بالسلطة لفترة طويلة رهان خاسر فى الكثير من الدوائر، ولم يستطع أن يقيم عضوية حقيقية فى ظل الأزمات الإقتصادية الداخلية وفى الأقاليم. ونحن نمتلك عضوية وشعبية حقيقية إذا لم نكن رقم (2) فنحن رقم (1) فى الساحة السياسية وفى أصوات الناخبين بإذن الله. * رقم واحد أو اثنين فى وجود الوطنى والحركة والأمة، على أى حسابات بنيتم لحزبكم هذا الوزن السياسى الزائد؟! - أنت عارف نحن فى الحركة الإسلامية « ما بنقول كلام ساكت» وأنا لا أريد أن أضعف الآخرين، لكن واقعى السياسى الآن وبحسابات دقيقة يمكن يكون فى حديثى عن رقم (1) أكثر تفاؤلاً لكن لن نتجاوز رقم (2) فى نتائج الإنتخابات المقبلة وهذه أصلاً « ما عايزة ليها كلام». * د. الترابي، وفى يوم 24 فبراير الماضى، دعا لتأجيل الإنتخابات وتكوين حكومة إنتقالية.. ما الذي حدث وأدى إلى هذا التحول الأخير؟ - التحول الذى حدث كان بحيثيات موضوعية، نحن عندما تحدثنا عن تأجيل الإنتخابات، كنا نرجو أن ما يدور من مفاوضات بين الحكومة والحركات الدارفورية يفضى إلى قرار بالتأجيل لأن تقديرنا أن دارفور المعلولة بالطوارئ وأزمتها الإنسانية ومشاكل التعداد السكانى وتقسيم الدوائر كان من المهم أن تدخل فى العملية الإنتخابية بالصورة التى تحقق لمواطن دارفور حقه الكامل فى أن يعبر عن إرادته، لكن إتضح أن ما يجرى فى الدوحة كله علاقات عامة لا توصل للقضية الأساسية فى حقوق دارفور وبالتالى الأفضل الآن ان ندخل الإنتخابات بصيغتها لأن الحل المرجو فى دارفور الآن غير متوافر. * هل نسقتم مع حركة العدل والمساواة فيما يتصل بموقفكم الاخير من الإنتخابات؟ - والله شوف.. نحن لم نتحرك مع حركة العدل والمساواة فى هذا الموقف، ولكن نحن نقرأ الساحة السياسية كلها ونرى الواقع السياسي الماشى فى علاقات الحركة مع الحكومة وفى دخول الحركات الجديدة وهذا لا يفضى لتأجيل للإنتخابات. * ألم يغضب موقفكم هذا حلفاءكم فى قوى جوبا ممن نظروا إليه بإعتباره تقارباً بين الإسلاميين فى الوطنى والشعبى؟ - هم لم يرضوا عن هذا الموقف، وأنا اعذر أخواننا فى المعارضة، فعدد كبير منهم لديه مشاكل مع أزمة الإسلاميين، وبفتكروا أن الإسلاميين لا محالة سيلتقون.. * ألا تعتقد أنكم أصبحتم بموقفكم الرافض لتأجيل الإنتخابات أكثر قرباً من المؤتمر الوطنى؟ - نحن الآن بهذا الموقف أكثر بعداً من المؤتمر الوطنى. ونحن نريد الإنتخابات لتعريته وهو إذا ترك الإنتخابات تمضى بنزاهتها سيخسر، وإذا زورها سيخسر ونحن نعمل لإصطياد المؤتمر الوطنى فى الحالتين. * ولكنكم أسديتم خدمة كبيرة له بهذا الموقف الرافض للتأجيل والذى هو فى الأساس موقف المؤتمر الوطنى؟ - نحن قدمنا خدمة للإستقرار فى السودان وليس للمؤتمر الوطنى، ولو خُيرنا بخيارات أخرى لطالبنا أن يخرج المؤتمر الوطنى من سدة الحكم حتى تقوم الإنتخابات بشكل يحقق المرجو منها. * أنتم لم تكتفوا بعدم المقاطعة، وإنما طالبتم قوى جوبا بالإنضمام إلى موقفكم، هل تتوقعون مواقف مماثلة؟ - ستسمع فى الأيام المقبلة أن أحزاباً كبيرة فى قوى جوبا ستدخل الإنتخابات ولن تقاطعها. * أى الأحزاب تتوقع أن تنضم إلى موقفكم؟ - حزب الأمة، وأنا فى تقديرى أن حزباً مثل حزب الأمة ليس من مصلحته مقاطعة الإنتخابات، فهو حزب قارئ الساحة السياسية بوعى، والإتحاديون كذلك لهم وزنهم ولن يقاطعوا الإنتخابات.. * وأى الأحزاب تتوقع مقاطعتها؟ - «بدون مسمى وعشان ما ندخل فى مشاكل»، هناك أحزاب قدرت فى المرحلة الماضية أنها بلا وزن جماهيرى وأحسن لها أن تعارض من أجل المعارضة دون أن تغوص فى العملية الإنتخابية لمعرفة حجمها، فهى عرفت حجمها الحقيقى من خلال الإجراءات. * موقفكم من تأجيل الإنتخابات، أعاد للأذهان خروج حزب الأمة من التجمع لما ينتظر أن تنبنى عليه من تداعيات مماثلة؟ - صمت برهة ثم قال: القصة تعتمد بشكل كبير على تفهُم قوى إجماع جوبا لموقف المؤتمر الشعبى ونحن نتمنى أن لا يتكرر هذا السيناريو فمن المهم أن يحافظ الناس على تحالفهم حول القضايا المتفق عليها، فنحن سندخل الإنتخابات لتقديم نموذج حى من الواقع للمعارضة فى أن هذه الإنتخابات مزورة وليست فيها حيدة وبنيتها منهارة، وهناك معارضة خارجية لم تدخل الإنتخابات وأخرى دخلتها وسنلتقى فى النهاية فى تقييم الإنتخابات. * موقف الشعبى من تأجيل الإنتخابات، أفرز حالة من التململ وسط تحالف قوى جوبا، ألا تخشون على تماسك هذا التحالف؟ - المهددات التى تواجه مسيرة المعارضة كثيرة، ونحن لسنا حزباً واحداً ولم نصبح كتلة واحدة وإنما منسقين فى قضايا، منذ (30) نوفمبر فى جوبا لنأخذ قراراً للمقاطعة وكانت مواقفنا متباينة، ونحن مؤسسة وحزب كبير له منظومته فى الولايات ولا يمكن أن نرهن موقفنا النهائي فيما يتعلق بقضية مفصلية كالإنتخابات بقرارات يخرجها لنا التحالف. * إذا قلت لك صِف لى الحالة الصحية لتحالف قوى جوبا الآن؟ - أستطيع أن أقول لك إنه يعانى من صداع سياسي يمكن تجاوزه فى اليومين القادمين. * يرى البعض أن موقف الشعبى الأخير يتسق ويؤكد موقف الترابى من أحزاب جوبا الذى تبرأ منه في السي دي، يبدو أنه يستبطن إزدراء الأحزاب لذلك لم يعرها إهتماماً فى موضوع التأجيل؟ - أصلاً هذا لا يدخل فى أى باب من أبواب الإزدراء أو التحقير للقوى السياسية فنحن نحترمها جداً. * على الأقل يشير إلى عدم الإكتراث بما يتفق عليه مع الأحزاب؟ - نحن لم نتفق مع الأحزاب على التأجيل أو المقاطعة فى يوم من الأيام حتى نخون هذا الإتفاق. * يبدو أن الشعبى بهذا الموقف فقد السند الجماهيرى الذى كان محتملاً ان يجده من قوى جوبا لصالح المرشح أبوفاطمة فى البحر الأحمر وهباني في النيل الأبيض ؟ - أقول لك بصدق أنا ليس لدى إحساس بهذا، بالعكس فإن الجماهير كلها هى مع إتجاه المشاركة أكثر من المقاطعة وموقفنا الرافض للتأجيل يكسبنا إحترام الجماهير بمختلف أفكارها. * هل تريد أن تقول إنه فى حال مقاطعة أحزاب جوبا للإنتخابات، فإن منسوبيها سيدعمون الشعبى؟ - بالحسابات السياسية قطعاً أفضل لهم المؤتمر الشعبى من المؤتمر الوطنى. * البعض يرى بعد موقف الشعبى الأخير أن الترابى نفسه ربما كانت هناك خطورة عليه فى أن لا يتمكن من الدخول إلى البرلمان؟ - أبداً، ومن الأصلح والأنسب للبلد أن يدخل الترابى المجلس الوطنى وهو رقم (1) فى القائمة النسبية، وأنا أقول لك بصدق الترابى بموقفه ورمزيته وموقف المؤتمر الشعبى نحن لا نخشى عليه فى أية دائرة من الدوائر حتى لو أعدنا سيناريو الصحافة وأرجعناه إلى دائرة الصحافة. * موقفكم الأخير من الإنتخابات مرده فيما يبدو إلى جانب ما ذكرت إلى غضبكم من قوى جوبا ما تردد من رفضها الإتفاق على مرشحكم للرئاسة؟ - لم تثر فى أية مرحلة من المراحل مسألة مناقشة إنسحاب مرشح لصالح مرشح، فقوى جوبا على مستوى الرؤساء متفقة على تشتيت الأصوات فى الجولة الأولى وما رشح من كلام بعض السياسيين عن إتفاق على مرشح واحد يعبر عن أمانيهم فقط ولم نطلب من أى قوى سياسية الإتفاق على عبد الله دينق نيال. * ما هو مصير التشتيت فى ظل حديث قوى جوبا ومواقفها المتأرجحة من التأجيل والمقاطعة؟ ألا يعنى مقاطعة بعض الأحزاب للإنتخابات فشل نظرية التشتيت؟ - طبعاً نظرية التشتيت مربوطة بمشاركة القوى السياسية بأكملها فى الإنتخابات تحديداً، حزب الأمة القومى، الشعبى، الحركة الشعبية، الإتحادى الديمقراطى، والشيوعى. ولو خرج حزب الأمة أوالإتحادى والحزب الشيوعى فإن مسألة التشتيت ستضعف. * ستضعف أم ستفشل فى هذه الحالة؟ - حقيقى ستفشل.