نعم: روسيا والصين تسيران بخطى حثيثة نحو تشكيلهما لقطبين عالميين جديدين في الساحة الدولية، وبذلك لن تعود الولاياتالمتحدة: القطب الوحيد المهمين على العالم. نعم ما جرى في مجلس الأمن الدولي مؤخراً عندما اتخذت روسيا والصين موقف الفيتو ضد تدويل الأزمة السورية، يعني بكل القوة والوضوح: أن البلدين في طريقهما لتشكيل محور دولي جديد في مواجهة العالم الغربي وتحديدا في وجه الولاياتالمتحدة. نعم واشنطن تحكمت في الساحة الدولية ما يزيد على فترة العقدين من الزمن،أي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وحتى وقت قريب. روسيا عاشت مرحلة التبعية المطلقة للولايات المتحدة إبّان الحقبة السوفيتية، إلى الحد الذي اختار فيه المراقبون لمسيرة روسيا.. التبعية. فهي الدولة الغنية التي كانت تنتظر المساعدات الأمريكية والأخرى الغربية. جاء عهد بوتن وكان ما كان في روسيا،حيث أخذ على عاتقه القيام بجملة تحولات على الصعيدين الداخلي والخارجي-داخلياً،أعاد الاقتصاد الروسي إلى وضع مزدهر فيه فائض في الميزانية وحارب المافيات وبخاصة الاقتصادية منها دون هوادة،واستتب الأمن في الدولة الوريثة للاتحاد السوفيتي،وأصرّ بوتن على عكس الهيبة السوفيتية في روسيا،فاستولى على الثروات التي جرى بيعها في عهد يلتسين فأعاد مؤسسات القطاع العام إلى ملكية الدولة كالبترول والصناعات الثقيلة وغيرها وغيرها من الخطوات. والتي أعادت. وكان لها الأثر الكبير على إعادة الهيبة إلى روسيا،فعلى الصعيد الخارجي رأى بوتن من الولاياتالمتحدة والدول الغربية عموماً أنها تنطلق من أسس الحرب البادرة،وكان من المفترض أنها انتهت بانهيار الإمبراطورية السوفيتية ودول المنظومة الاشتراكية. واشنطنوالعواصمالغربية وحلف الناتو أرادوا الإحاطة بروسيا مثل السوار بالمعصم،فكان مشروعهم المشترك بما يسمى"الدرع الصاروخي" وثبتوا الصواريخ الاستراتيجية في بولندا وأوكرانيا بعد الثورة البرتقالية والعديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة مما شكل تحدياً كبيراً لروسيا ولبوتين شخصياً. الذي عمل على إعادة التحالف مع بيلوروسيا المجاورة،وقام بخطوات ضد رغبات واشنطنوالعواصمالغربية في تدخله في الحرب الجورجية-الروسية وقام بتهديد حلفاء الاتحاد السوفيتي السابقين إن هم وافقوا على نصب صواريخ الناتو الموجهة إلى روسيا في بلدانهم. كذلك ارتفعت حدة المواجهات الأمريكيةالغربية-الروسية تجاه العديد من القضايا الدولية،منها على سبيل المثال وليس الحصر:الموقف من المشروع النووي الإيراني،وإقامة علاقات روسية متطورة مع العديد من بلدان أمريكا الجنوبية،والدول اللاتينية التي نجحت أحزاب يسارية في العديد منها وكذلك مع الكثير من الدول الإفريقية والأخرى الآسيوية.روسيا حاولت العودة إلى الشرق الأوسط من خلال نسج علاقات مع إيران ومع روسيا وغيرهما.بعد انتهاء مرحلة بوتن جاء تلميذه ميدفيديف إلى منصب الرئاسة وتسلم هو رئاسة الوزراء.ورغم أن ميدفيديف ليس نسخة كربونية من بوتين،إلا أن الثنائي الروسي كان منسجماً في غالبية المواقف(إلا من بعض الاختلافات والتعارضات الثانوية وليس الأساسية التناحرية) من القضايا على الصعيدين الداخلي والخارجي.ها نحن على أبواب عودة بوتن إلى الرئاسة مرة ثانية،ففي مارس القادم ستجرى الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الفيدرالية وفوز بوتن فيها شبه مؤكد.الولاياتالمتحدة والدول الغربية التي تعاملت مع روسيا في الحقبة اليلتسينية كدولة ذليلة من دول العالم الثالث،منزعجة من عودة بوتن إلى الموقع الرئاسي لذا تقوم هذه العواصم بكل الوسائل المتاحة لها للتشويش على بوتن من خلال تشجيع معارضيه على التظاهر وبقوة في موسكو والمدن السوفيتية الأخرى. القشة التي قضمت ظهر البعير في المواجهة الأمريكيةالغربية- الروسية الصينية هي المواقف من سوريا وتصويت البلدين بالفيتو على مشروع القرار الغربي،الأمر الذي حدا بكلينتون مسؤولة الدبلوماسية الأمريكية إلى وصف شعورها "بالاشمئزاز" من الفيتو الروسي الصيني،" وهو ما حدا بلافروف وزير الخارجية الأميركي إلى التصريح:"بأن الأمريكيين يتصرفون بانفعال". الصين وروسيا(وبخاصة الأخيرة) تدركان أن سوريا بالنسبة لهما هي موطئ القدم الأخير في المنطقة العربية،وتاريخياً فإن الاتحاد السوفيتي كان من القضايا الوطنية العربية وبخاصة مواقف التأييد الكبيرة للقضية الفلسطينية في الصراع العربي-الصهيوني. وقطع من الأسطول الروسي متواجدة في المتوسط.كذلك الصين اتخذت العديد من المواقف تجاه القضايا العرب وعلى الأخص الفلسطينية. الصين التي فهمت الاشتراكية بطريقة مختلفة عن الفهم السوفيتي لها،حاولت المزج بين أسلوبين:الاشتراكي لكن بمفهوم جديد متطور والآخر الرأسمالي،استطاعت وفي مرحلة قصيرة إثبات ذاتها عالمياً من حيث قوة الاقتصادية والتصنيع وفرض إنتاجها على الساحة العالمية بما فيها الولاياتالمتحدة والدول الغربية. نظراً لرخص أسعار سلعها فباتت منافساً قوياً للصناعات الأمريكيةوالغربية في داخل الولاياتالمتحدةوالعواصمالغربية ذاتها.ولأن السياسة(مثلما تقول الفلسلفة) هي اقتصاد مكثف. وهي دولة عظمى تسليحياً وبلاد شاسعة وديموغرافيا كبيرة،بالتالي فهي مؤهلة لتشكيل قطباً عالمياً جديداً بشكل عام،أو في أقل الحالات جزءاً مهماً من محور في قطب عالمي جديد موازي للقطب الأمريكي. لقد عانت القضايا الوطنية العربية والقضية الفلسطينية تحديداً من الاستفراد الأمريكي(والذي هو في جزءٍ أساس منه صهيوني وفي جزءٍ آخر غربي) في الساحة الدولية والهيمنة والتحكم في القرار الدولي،كما عانى العالم كذلك من الاضطهاد والعنجهية والصلف الأمريكي الصهيوني-الغربي،حتى باتت الولاياتالمتحدة هي مقرر السياسات على الصعيد العالمي. وجود قطب مقابل آخر،روسي أو روسي صيني مواجه للآخر الأمريكي سينعكس إيجاباً على الصعيد الدولي وفي الأممالمتحدة ومجلس الأمن وعلى المنطقة العربية وبخاصة على القضية الفلسطينية وعلى قوى التحرر والتقدم على صعيد القارات الخمس. المصدر: الشرق القطرية 1/3/2012م