ما من شك إن السودان يواجه خطة خطيرة – بدرجة ما – يجري تنفيذ الجزء الأصعب منها الآن بواسطة دولة جنوب السودان فى الهجمات والأعمال العسكرية الجارية فى ولاية جنوب كردفان، إذ ليس سهلاً وليس بالأمر المعتاد الذى يمكن تجاوزه أن يتم ضبط (إشارات عسكرية وبطاقات هوية وأسلحة تابعة للجيش الشعبي الجنوبي) فى ميدان القتال فى جنوب كردفان، فذلك يعني أن ثمة دولة أجنبية مجاورة تعتدي على جارتها. والعدوان بهذه الكيفية لا يكون مجرد عمل اعتباطي انتقامي عابر؛ هو عمل استراتيجي مقصود لإختراق النواة الأمنية والعسكرية للعمق السوداني لتسهيل المهمة لمرحلة أخري يتولاها آخرون تمضي بالأمور الى حد الإمساك بمقود السيطرة على الأوضاع لتصبح دولة جنوب السودان دولتين تحلان محل السودان القديم بشماله وجنوبه المنفصل حديثاً. ولعل أصدق ما يؤكد صِحة هذه الخطط الأخطر فى تاريخ هذا البلد، أنّ الرئاسة السودانية ممثلة فى الرئيس السوداني المشير البشير تسلمت هذا الأسبوع – السبت الماضي – التمام العسكري للقوات الشعبية التى ينخرط فيها مئات الآلاف من المتطوعين السودانيين من مراحل عمرية مختلفة، ومن قبائل سودانية شتي وسحنات مختلفة وهى التى تُعرف فى الأوساط السودانية بقوات (الدفاع الشعبي)، والتي يعتقد الكثير من المراقبين إنها مثلت خير سند لظهر الجيش السوداني وعاونته - بصدق - فى مهمات قتالية شاقة حالت دون تراجعه وحققت انتصارات مشهودة. وقد طلب الرئيس السوداني – عقب إعلان هذه القوات الشعبية بحماس دافق عن استعدادها لما يطلب منها – تشكيل ألوية من كافة ولايات السودان لتكون مستعدة لردع وصدّ العدوان الذى تقوده دولة جنوب السودان في حدود السودان الغربية، وفى سياق ذي صلة أكد النائب الأول للرئيس السوداني الأستاذ على عثمان محمد طه – بنبرة واثقة لم تخلُ من الغضب – رغم أن الرجل عُرف بالهدوء والحصافة السياسية، أنّ الحرب الجارية فى جنوب كردفان فُرضت على السودان من جانب الحركة الشعبية، وإن السودان سوف يخوضها الى النهاية كما ينبغي، قاطعاً الطريق على أى مراهنات قد تراهن عليها جوبا بشأن إمكانية تقديم السودان تنازلات على اعتبار أن النائب الأول للرئيس، عُرف فى أوساط الحركة الشعبية بالهدوء والمرونة والميل الى الحلول السياسية من واقع كونه أحد مهندسي اتفاقية السلام الشاملة الموقعة فى نيفاشا 2005م. وبذا تبدو الخرطوم فى أعلي مستويات القرار فيها وقد أعدّت نفسها للأسوأ، تحسباً لهذه الخطط التى باتت لفرط بروزها مكشوفة وعارية لا يغطيها شيء، مراهنة على تاريخ باذخ للجيش السوداني والقوات الشعبية التى تمثل إسناداً قوياً له فى صد أى هجوم تريد به جوبا تمريغ أنف السودان لصالح جهات بعينها لا تدري الفارق الشاسع السحيق بين جوباوالخرطوم قوةً، وقدرةً، وجبهة داخلية واستعداداً. وتشير متابعات (سودان سفاري) الى أنّ القيادة السودانية فى الخرطوم تُبدي استغرابها على صعيد القوى السياسية المعارضة التى تبدو غير عابئة ومكترثة الى مآلات ونتائج الأمور ظناً من هذه القوى المعارضة إن الأمر كله مرتبط بإسقاط السلطة القائمة، فى حين أن جوهر العملية كما بدت الآن بوضوح هى العمل على إنتزاع الأحشاء السودانية تماماً وإفراغها لحشوها وملئها بأحشاء أخري مصنوعة للقضاء على الهوية السودانية والثقافة الإسلامية وكل ما يمت الى السودان بصلة، ولعل الأمر المؤسف فى هذا المنحي أن القوى المعارضة تعتقد واهمة أن لديها (خاطراً) لدي الحركة الشعبية فى جنوب السودان ولدي واشنطن وتل أبيب وتعتقد أن المهمة ليست سوي نزهة، ومحاصرة البلاد وخنقها وتكثيف الهجمات عليها ومن ثم إسقاط السلطة القائمة لينفسح المجال لهم ليكونوا حكام الغد! هذا التصور غارق فى السطحية والسذاجة ؛ فالسودان اليوم – و ليس أى يوم سابق أو لاحق – يواجه أخطر خطة عرفها فى تاريخه لتقطيع أوصاله وإعادة تركيبه بصورة مختلفة!