إعتدت الدهشة كافية الأوساط السياسية في السودان وهي تقرأ خبراً يقول أن نائب رئيس حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي وقع اتفاقاً أو تفاهماً مع الجبهة الثورية. الأنباء أشارت إلى أن نائب رئيس الحزب نصر الدين المهدي أجرى لقاءات وحوارات مع بعض قادة الجبهة الثورية وأعلن انضمام الأمة القومية إليها، وقد زاد من دهشة المراقبين أن الأمة القومي بزعامة المهدي والى أمس القريب كان ولا يزال ينادي بما يسميه (تغيير النظام) وليس (إسقاط بالقوة)، ولا جدال في أن الجبهة الثورية المكونة من الحركات الدارفورية المسلحة ومجموعات جنوب كردفان والنيل الأزرق، تسعي لإسقاط الحكومة السودانية بقوة السلاح وهو ما يشير إلى عدم وجود جامع يجمع بين الاثنين بحيث تصبح المعادلة هنا، أما أن المهدي قد تخلي عن ما يسميه بالجهاد المدني، والتغيير السلمي، أو أن الجبهة الثورية تخلت عن سعيها لمحاربة الحكومة السودانية وإسقاطها بالقوة. غير أن واحداً من الفرضين لم يحدث ومن ثم يصبح الفرض الأقرب إلى المنطق أن المهدي أصبح – بهذا الموقف – يحسب في عداد المنضوين تحت لواء الجبهة الثورية، خاصة وانه – وإمعاناً منه في موقفه الغريب هذا – قال أن ما جري بينهم وبين الجبهة الثورية أنهم في حزب الأمة (لم يطلبوا من الجبهة الثورية إلقاء السلاح)!! وأنهم (متعاطفون معهم ومع قضاياهم) ومن ثم – والحديث للمهدي – فإن حزب الأمة وأن كان يؤيدهم في قضاياهم، ولكنه يود انتهاج النهج السلمي! وهذا في الواقع هو ما جعل موقف الأمة القومي في غاية التذبذب والاضطراب في قضية ليست بحاجة إلى مواقف (رمادية) مبهمة بهذه الدرجة، ذلك أن أي سياسي مهما كانت درجة إدراكه يعلم أن الجبهة الثورية جسم مسلح، مدعوم من دولة جنوب السودان ودول أخرى مجاورة وقوى دولية وأطروحاتها السياسية واضحة ولها طابع عنصري، وقد بلغ هذا الطابع العنصري درجة أن المبعوث الأمريكي الخاص إلى دارفور (دان سميث) أدرك هذه الحقيقة ووجه نصحاً مباشراً إلي قادة الجبهة بهذا الصدد وحذرهم من أن إصرارهم على موقفهم هذا من شأنه أن يجمع (العرب والمسلمين) في السودان على صعيد موازي لهم وتتحول الحرب إلى حرب عرقية ودينية سيكونوا هم الخاسرين فيها. لقد كان واضحاً أن الجميع يدرك أن الجبهة الثورية تحالف عنصر ذا طابع عرقي وجهوي محدد بما لا يصلح معه أي عمل سياسي موازي ولهذا فإن من الغريب حقاً أن يحشر المهدي نفسه في هذه الزاوية الحرجة ويعرض حزبه لمخاطر هذا التخابر مع الجبهة الثورية. فلو كان المهدي (متردداً) في إظهار موقف مع أو ضد هذه الجبهة الثورية، فإن هذا التردد وأن صلح في المواقف السياسية التي أشتهر المهدي بالتردد حيالها فإنه لا يصلح حين يتعلق بأمن وسلامة الوطن والمهددات التي تهدد آمنه القومي، ولو كان المهدي يود أمساك العصا من المنتصف كعادته فيجامل الجبهة الثورية ويشتري أسهماً منها أملاً في أن تنجح خططها وينال أرباحاً في المستقبل، وفي الوقت نفسه يحافظ على موقفه السياسي السلمي، فإن (ضرب عصفورين بحجر) في القضايا السياسية الإستراتيجية العليا للبلاد أمر غير وارد وغير ممكن وفوق ذلك فإن كلفته عالية. لقد وقع المهدي في ذات شراك تناقضاته، ومن الخير له قبل تفاقم الأمور أن يفسر موقفه هذا وان يتراجع عن دعم حركة مسلحة يحظر القانون على الأحزاب السياسية دعمها والتحالف معها!!