قبل نحو عامين قال القائم بالأعمال في السفارة الأميركية بالخرطوم إن خيار انفصال جنوب السودان عن الشمال يحظى بتأييد نحو 90 في المائة من سكان الإقليم. وقبل بضعة شهور فقط أعلن رئيس الحكومة الإقليمية الجنوبية سالفاكير ميارديت أن على أهل الجنوب أن ينحازوا إلى خيار الانفصال إذا أرادوا ألا يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في سودان موحد . ولا أدري لماذا استقبل الناس في الشمال ملاحظة الدبلوماسي الأميركي ودعوة القائد الجنوبي بغير قليل من الاندهاش . فالدعوة إلى انفصال الجنوب برزت إلى سطح الوجود قبل ما يقارب نصف قرن - تحديدا في عام 1965وفي سياق «مؤتمر المائدة المستديرة» الذي جمع بين القيادات السياسية الجنوبية والقيادات الشمالية. كان المشاركون الجنوبيون يمثلون تنظيمين : «جبهة الجنوب» الناشطة في الداخل السوداني وحزب «سانو» الذي كان يشكل معارضة مسلحة من الخارج . وبصوت واحد طالبوا جميعا بإجراء استفتاء لأهل الجنوب على ثلاثة خيارات : استمرار الوحدة مع الشمال أو نظام فيدرالي أو الاستقلال . وبصوت واحد على الطرف المقابل رفض القادة الشماليون - اسماعيل الأزهري عن «الحزب الوطني الاتحادي» والصادق المهدي عن «حزب الأمة» والفاتح عبود عن «حزب الشعب الديمقراطي» وعبد الخالق محجوب عن «الحزب الشيوعي السوداني» - فكرة الاستفتاء معلنين اقتراحا جماعيا بإعطاء الجنوب نظام حكم ذاتي داخل السودان الموحد كحد أقصى . ولعدم الاتفاق بين الجانبين انتهى مؤتمر المائدة المستديرة إلى فشل . ما بين فشل المؤتمر وتبلور اتفاق نيفاشا للسلام الذي أبرم بين حزب «المؤتمر الوطني» و «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الزعيم الراحل جون قرنق في عام 2005 انسلخت 40 سنة كانت معظمها حربا ضروسا بين الجنوب والشمال (عدا 11عاما في عهد الرئيس نميري من عام 1972إلى عام 1983). وكما هو معلوم فإن وثيقة الاتفاق تتضمن بندا أساسيا ينص على حق تقرير المصير لأهل الجنوب عبر استفتاء عام . ولا يسعنا الآن إلا أن نقول ليت القادة الشماليين تجاوبوا قبل أربعة عقود زمنية مع المطلب الجنوبي .. إذن لوفروا على أهل الجنوب والشمال معا ويلات الحرب التي تجددت ابتداء من عام 1965 . في العام القادم 2011 سوف يعقد الاستفتاء في الجنوب وفقا لبنود نيفاشا . وأغلب الظن - ووفقا لمؤشرات راهنة - سوف يفوز خيار الانفصال وبالتالي انشاء دولة مستقلة ذات سيادة في الجنوب . ولكن هناك تساؤلات إلحاحية تجعل المراقب يتوقف .. ليتفكر.