لم تعد الأحاديث المثارة عن دعم دول وجهات غربية عبر دولة جنوب السودان، للحركات المتمردة التي تقود الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، مجرد اتهامات فيما يبدو، ولكنها حقائق ستتكشف يوما بعد الآخر. فقد كشف تقرير دولي عن تقديم الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا دعماً مباشراً للعمليات العسكرية التي تقودها الحركة الشعبية بولاية جنوب كردفان بدعم من حكومة جنوب السودان، بجانب دعم ومساندة المتمردين بغية تغيير الحكومة القائمة في الخرطوم. وأكد التقرير بحسب المركز السوداني للخدمات الصحفية، أن الدول الغربية تسعى بكافة السبل لتغيير النظام الحاكم في الخرطوم، فضلاً عن إيصال الدعم للمتمردين لاقتحام كادوقلي ومنها للخرطوم. مؤكدا أن حكومة جنوب السودان تقدم دعماً مباشراً للمتمردين بغرض الاعتداء على مواقع أخرى عند الحدود مع السودان قبل نهاية الشهر الجاري، وأبان التقرير أن خبراء أمريكان وفرنسيين موجودون الآن مع المتمردين لرسم الخطط لإسقاط الحكومة والضغط عليها بكافة الوسائل السياسية والعسكرية وأشار التقرير إلى أن الهجوم على بحيرة الأبيض الأخير كان بداية العمل العسكري الذي يستهدف كذلك منطقة طروجي، تلودي وكادوقلي، مشيرا إلى أن أحداث هجليج الأخيرة كانت بغرض إحداث انهيار في الاقتصاد السوداني بوقف ضخ النفط ويتبع ذلك تحريك المعارضة بغرض تأجيج الرأي العام. ونوه التقرير أن الدول التي تدعم دولة الجنوب والمتمردين لاقتحام مناطق حدودية وإستراتيجية بالسودان هي ذاتها التي ساندت النائبين الأمريكيين الديمقراطي جيم مكفرن والجمهوري فرانك وولف، بالضغط على مجلس النواب الأمريكي باستصدار قانون يحمل اسم مشروع سلام وأمن السودان، معتبرة ذلك الأمر أحد الآليات السياسية بالضغط على حكومة السودان ويمثل ما قام به الممثل الأمريكي جون كلوني أحد أضلاع آليات الضغط الإعلامي على السودان. ولفت التقرير إلى أن الغرض الأساسي للدعم العسكري لدولة الجنوب والمتمردين وفرض قانون لمحاسبة السودان من قبل الدول الغربية لتحريك حملة دعائية غربية تجاه السودان لتشبيه الأوضاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق بما حدث في دارفور عام 2003م. ويعتبر ما ساقه التقرير الدولي ليس غريبا استنادا إلى ما ظلت تؤكده حكومة الخرطوم من تورط دول وجهات غربية في دعم المتمردين بهدف إسقاط النظام في الخرطوم، وهو الهدف الذي أعلن عنه عبد العزيز آدم الحلو منذ اندلاع أحداث جنوب كردفان في يونيو من العام الماضي، عندما قال انه سيقود بنفسه كتائب المتمردين وصولا إلى العاصمة الخرطوم لإسقاط نظامها داعيا الحركات المتمردة الأخرى على هامش السودان للتحرك، وبالفعل عثرت السلطات على تفاصيل المخطط الذي أعدته الحركة الشعبية، متضمنا خططا تفصيلية بالاستيلاء على كادوقلي ومدن أخرى بجنوب كردفان واستهداف قيادات حكومية وأهلية ثم التقدم نحو الخرطوم، وقد اتهم مسئولون حكوميون مرات متكررة دولا غربية بالتورط في تلك المخططات، وقال رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط، في سبتمبر الماضي، "إن ما حدث في جنوب كردفان هو مخطط أجنبي يهدف لتغيير النظام، ونعرف من يقف خلفه". وأضاف "إحساسهم بأن الأمر في مصر قد خرج عن سيطرتهم وفشلوا في السيطرة على الساحة السياسية، لذا عليهم محاصرة مصر من بوابة السودان وليبيا". وتابع "معلوماتنا تقول إن الاتفاقيات قد صممت لتغيير الحكم في السودان وبأن يكون التغيير من الداخل بعد مشاركة الحركة الشعبية في الحكم، إلا أن الأمر فشل وقد قبلوا في البدء بانفصال الجنوب، ونقول إن حيثيات التآمر لن تقف عند هذا الحد". وأوضح البشير في ذلك الحوار أن عبد العزيز الحلو ومالك عقار عمدا إلى الإبقاء على قواتهما بنية التمرد مشيرا إلى أن عدم اكتمال الترتيبات الأمنية لقوات الحركة في جنوب كردفان والنيل الأزرق كان مقصودا حتى تكون نواة لقوات احتياطية لبدء تمرد جديد. ولدى مخاطبته الآلاف من منسوبي الدفاع الشعبي بإستاد الخرطوم، مطلع الشهر الحالي، شن الرئيس البشير هجوماً على الولاياتالمتحدة واتهمها مجددا بدعم ومساندة التمرد بجنوب كردفان، ورفض أية مساومة منها مع السودان قائلا "لا نريد جزرتكم لأنها مسمة ولا نخشى عصاكم لأنكم خبرتونا لسنين عديدة"، موضحا أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون اتهمت السودان بأنه يعمل لزعزعة استقرار الجنوب، وهي تعلم جيدا من الذي بدأ بالعدوان الأخير لأنهم خططوا له، مبينا أن عبد العزيز الحلو كشف للمبعوث الأمريكي بريستون ليمان خطته للهجوم على جنوب كردفان والأخير بارك تلك الخطوة. وفي نوفمبر من العام الماضي، أكد والي جنوب كردفان، أحمد ارون، جنوب السودان ودولة أجنبية أخرى – لم يسمها في التمرد الذي تقوده الحركة الشعبية بجنوب كردفان، وقال هارون في تصريحات إن الفرقتين التاسعة والعاشرة التي تقود التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق لا تزالان جزءاً من الجيش الشعبي في جنوب السودان ولا يزال تسليحها ومرتباتها تصرف بعملة جنوب السودان، كما أن مشاركة دولة الجنوب كانت مباشرة حيث شاركت في الاعتداء على تلودي جنود من الجنوب، وأضاف "كل أطقم المدرعات كانت من الجنوب". وفي مارس الماضي نقلت صحيفة "الشرق" السعودية عن مصدر سوداني رفيع المستوى تفاصيل ما أسماه بالمخطط الأمريكي لإسقاط الحكومة السودانية، وأكد المصدر أن اجتماعا عقده مسئولون أمريكيون مع قيادات في جنوب السودان، بجوبا قبل الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، شهد اتفاقا على الدفع في اتجاه الإطاحة بالنظام في السودان، وقال إن الاجتماع ضم من الجانب الأمريكي كلاً من مندوبة الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن الدولي، سوزان رايس، ومستشار حكومة جنوب السودان، الأمريكي روجر ونتر، وعدداً آخر من أعضاء الإدارة الأمريكية، كما ضم قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وذراعها العسكري الجيش الشعبي. وبحسب المصدر، خَلُص الاجتماع إلى فشل الحركة الشعبية في تنفيذ الأهداف غير المعلنة للاتفاق، ومن بينها تفكيك حكومة الرئيس البشير وإقصاء مشروعه الداعي للتوجه العربي الإسلامي وإحلال مشروع السودان الجديد الداعي للتوجه الإفريقي العلماني لإيقاف المد الإسلامي والعربي إلى القارة الإفريقية. ووفقا للمصدر، سردت سوزان رايس أن الأهداف الحقيقية لاتفاق نيفاشا للسلام في السودان ليس إيقاف الحرب الأهلية الدائرة في الجنوب فحسب، بل تفكيك حزب المؤتمر الوطني واختراقه من خلال اتفاق الشراكة الذي نقل الحركة الشعبية لتحرير السودان من الغابة إلى القصر الجمهوري، بجانب تمكين المعارضة الشمالية ونقلها من الخارج إلى الداخل لإبقائها بالقرب من الشارع لتحريكه في خطوة لاحقة للقيام بانتفاضة بالتحالف مع الحركة الشعبية لإسقاط الحكومة، وأضاف المصدر أن الاجتماع أشار إلى أن واشنطن كانت سخية في دعم الجنوب عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، ووفرت الدعم المطلوب للحركة الشعبية في المحافل الدولية لتحقيق الأجندة المرسومة من قبل الإدارة الأمريكية. وقال المصدر إن الاجتماع خَلُص إلى قرار واضح لا لبس فيه وهو الانتقال إلى الخطة "ب" بفصل جنوب السودان وإقامة دولته المستقلة كخطوة أولى، ثم قيادة واشنطن مخطط لإشعال الصراعات في أطراف السودان خاصة المناطق الثلاث ودارفور لإضعاف الخرطوم عسكريا، ثم تصعيد الحملات الإعلامية واتهام السودان بسوء معاملة النازحين، والمطالبة بضرورة حث المجتمع الدولي على إجبار السودان على فتح معسكرات لهم في مناطق الصراع الجديدة. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 26/3/2012م