لا ننكر على مصر انها سبقت الجميع في فتح طريق التسوية والاندفاع به عبر اتفاقية الفصل الثانية بعد حرب العام 1973 وصولاً الى توقيع اتفاقية كامب ديفيد ,1979 يحق لمصر ان تقول انها اول من اقتحم بوابة التسوية وفتحتها على مصراعيها فكانت لها أبوة وامومة هذه التسوية السياسية وبالاضافة لذلك فلا نجادل بأن هنالك خصوصية في علاقة مصر بقطاع غزة بحكم التاريخ القريب واستمرار سلطة مصر في القطاع حتى حزيران من العام ,1967 استناداً الى ما سبق نتفهم اهتمام مصر بغزة وكذلك ردة فعلها القوية والحادة ضد سيطرة حماس على القطاع خاصة ان مصر شجعت السلطة الوطنية بقيادتها الفتحاوية على التخلص من حماس في غزة لكن حماس «تغدت في فتح قبل ان تتعشى بها» ، وكان لذلك أسبابه وتداعياته المعروفة ، وصحيح ان مصر هي التي قادت التوجه لمحاربة سلطة حماس في غزة لكن بعض الدول العربية شاركت في محاربة حماس والضغط عليها وحصارها وغير ذلك ، لكن اندفاعة اسرائيل باستهداف حماس وضرباتها العسكرية الانتقامية والتي كانت ذروتها محرقة غزة في نهاية العام الماضي خلقت تعاطفاً مع حماس وبدت بعض البلدان العربية مُحرجة من الابادة الجماعية الصهيونية لاهالي غزة. ومن المؤسف انه حتى في تلك اللحظة التي فجرت غضب كل العرب والمسلمين تمسكت مصر باغلاق معبر رفح وما أدراك ما معبر رفح وما سببه ذلك من سلبيات لصورة النظام المصري لا تزال تفاعلاتها متواصلة حتى اليوم ، خاصة ان كل التبريرات التي تسوقها مصر غير مقنعة وزاد الأمر سوءاً وانكشافاً بناء مصر لجدار عازل فولاذي. وبحكم خصوصية علاقة مصر بغزة تبنت الحكومة المصرية التوجه لاجراء مصالحة بين فتح وحماس ، وظلت هذه الوساطة مستمرة وعقدت تحت لواء مصر جلسات مصالحة واتصالات من أجل التوافق ، وبالتأكيد فان الانحياز المعلن لسلطة فتح من قبل مصر انعكس سلبا على هذه المصالحة ، وقد يكون هنالك تشدد من قبل حماس لكن المشهد الأخير يظهر بوضوح ان مصر لا تريد لهذه المصالحة أن تُنجز ، واذا كانت العقبات في الماضي تعزى الى فتح او حماس فان الموقف الحالي من قبل مصر هو بوضوح تخلي مصر عن دور الوسيط لتكون طرفاً متشددا اكثر من فتح نفسها ، وقد كانت كل المواقف السابقة ضد حماس من خلال الاعلام المصري والتصريحات الرسمية لكبار المسؤولين في القاهرة تصنف كاجتهادات لكن عندما وقف الرئيس المصري قبل ايام وهاجم حماس بشكل صريح وقاسْ فان ذلك لا يمكن تصنيفه الا انه موقف من مصر تجاه حماس في مسألة المصالحة، وحتى لو تجاوزنا عن كل الاجراءات المصرية من اغلاق معبر رفح او الجدار الفولاذي العازل او مسألة اعمار غزة ، وكذلك لو تجاوزنا عن كل ما صدر عبر الخطاب الاعلامي والسياسي المصري ضد حماس فان خطاب الرئيس المصري الاتهامي والمندد والحاد ضد حماس قبل ايام عنى اكثر ما عنى ان مصر طرف وليست وسيطاً ، واكثر من ذلك هنالك تشدد مصري وقطع الطريق على المصالحة ، وحتى عندما تدخلت السعودية بشكل غير مباشر بعد زيارة خالد مشعل لها ونقلت تعهد حماس بالتوقيع على المصالحة لم تستجب مصر لذلك ، لكن الأمر كان أوضح عندما أعلن امير الكويت أنه يضمن ان توقع حماس على الاتفاق فان مصر رفضت وساطته،، والباقي عندكم. المصدر: الدستور 27/1/2010