لقوى المعارضة السودانية تاريخ حافل طوال العقدين الماضيين في شأن الخلط الخاطئ بين الخطوط الوطنية العليا، وخطوط العمل السياسي التكتيكي اليومي! ففي سنوات سابقة لزِمت قوى المعارضة الصمت حيال الاعتداءات اليوغندية على السودان فيما عُرف بالأمطار الغزيرة 1995م. في ذات ذاك التاريخ أيضاً مالأَت قوى المعارضة السودانية حين كان يضمها التجمع الوطني، نظام الرئيس السابق حسني مبارك فى احتلاله لمثلث حلايب المتنازع عليه بين البلدين. وكان الأمر المؤسف والمخزي وقتها أن قوى المعارضة كانت فى نفس اللحظة تأكل الى موائد في القاهرة، وتنام على أسرّة الفنادق هناك في ضيافة نظام الرئيس مبارك، وفمها ممتلئ عن آخره بالماء! وفي أسمرا إرتضت قوى المعارضة السودانية ايضاً في تسعينات القرن المنصرم قيام الحكومة الارترية بإنتزاع مقر السفارة السودانية في أسمرا -وهي أرض سودانية بحكم القانون الدولي- وتسليمها لقوى المعارضة! هذه المواقف من بين عشرات المواقف الماثلة، ما بين هجوم حركة العدل والمساواة على أم درمان فى العاشر من مايو 2008، وما بين هجوم المتمرد عقار على النيل الازرق وهجوم المتمرد عبد العزيز الحلو على جنوب كردفان، كلها مرّت على قوى المعارضة السودانية وهي لاهية ساهية لم يحركها وازع وطني، ولا هزّتها مصالح الوطن العليا، فهي تزعم أنها تمارس معارضة سلمية بعيدة عن السلاح ومع ذلك لا تأنس في نفسها أى قدرة سياسية على إدانة الاعتداءات المسلحة التي ثبت أنها تستهدف المدنيين والدولة السودانية وليس السلطة الحاكمة. الآن حدث ذات الشيء، لم تصدر قوى الإجماع الوطني بياناً واضحاً صريحاً تدين فيه ما جرى من اعتداء جنوبي غير مبرر بحال من الأحوال على أراضي سودانية. الاعتداء الجنوبي – لفرط وضوحه وعدم وجود أي تفسير له مهما كان غير مقنع، لم يكن يحتاج وقتاً طويلاً لإتخاذ موقف ضده، ولا تصلح في مثل هذه المواقف البائنة كالشمس العبارات المطاطية المبهمة التى تكتفي بدعوة الطرفين للإحتكام لصوت العقل! ليس هناك من وطني حقيقي مهما كانت درجة خصومته مع السلطة القائمة يقف موقفاً سالباً بارداً وهناك أرض سودانية تتعرض لإعتداء من دولة أجنبية إعتداءاً عسكرياً صريحاً. ليس ذلك فحسب، ولكن الاعتداء له هدف واضح وهو الاستيلاء على حقول النفط وتدميرها لخنق الاقتصاد السوداني وإرتهان إرادة وسيادة الدولة السودانية. إن هؤلاء الذين يزعمون أنهم معارضون وطنيون، ليست هناك مناسبات يثبتون فيها وطنيتهم أكثر من هذه المناسبات، وما من وصف يلحق بأولئك -وهم في موقفهم هذا- غير وصف غير الوطنيين؛ وربما الخائنين لأن المواقف الوطنية لا تتجزأ. إن حسن الممارسة السياسية يقتضي أن تضع القوى المعارضة السودانية (قواعداً) لها، تعارض السلطة الحاكمة كيفما أرادات، وتتخذ منها المواقف التي تريد؛ ولكن لا تنسى ولا تتناسى أن كل هذا في جانب، والوطن وسلامته وسيادته في جانب آخر تماماً.