* لا نعتقد بأن أي سوداني سرت في عروقه حمى الوطنية والنخوة لن يتردد في الذود عن أراضيه - ونأمل مع نشر هذه المقال - أن تكون القوات المعتدية على هجليج السودانية قد انسحبت كليا وجنحت حكومة الجنوب لصوت المنطق والعقل.. وبرغم ذلك يبقى السؤال قائما اين كانت المؤسسة العسكرية والامنية عندما زحفرت 11 كتيبة عسكرية من القوات الغازية لمدينة استراتيجية غنية بالبترول في تجاوز صارخ لطاولة المفاوضات وتطاول على اتفاقية نيفاشا التي جاءت بالسلام بعد اطول حرب اهلية ضروس عرفتها افريفيا.. والسودان الذي دخل نادي منتجي البترول بجهود قادته وحكومته لتغيير نمط الحياة للسواد الاعظم من المواطنين استطاع ان يمزق فاتورته التي تقدر بحوالي 600 مليون دولار سنويا فى ظل مقاطعة اقتصادية وسياسية صارمة لصالح الوطن وانسانه ليس من السهل ان يفرط في اراضيه وحقوقه.. * سبع سنوات او يزيد قليلا منذ نيفاشا تدفقت مياه غزيرة تحت جسور الدوائر السياسية التي ضاقت بأهلها من طرفي الاتفاق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ولم تسكت المناوشات بينهم بالاسلحة تارة او بالتلاسن البغيض انتهى ذلك بانشطار الجنوب في يوليو 2011 ووفقا لاتفاقية السلام التي اعطته حق تقرير المصير ليلتفت الطرفان للنماء والاعمار. * لم ينعم طرفا الاتفاقية بخيرات الذهب الاسود وغالبية اخوتنا الجنوبيين دخلوا تحت مظلة الفقر بالنزوح جنوبا رغم ان غالبيتهم لم يعرف غير السودان الشمالي وكانوا يمنون النفس بالخروج من سياط الحرب وبنادقها القاتلة ولكن خاب ظنهم وبدلا من ان تكون"هجليج" منطقة تعايش سلمي وتكامل اقتصادي ثقافي تحولت لمنطقة ملتهبة تغلي فوق مراجل ساخنة لتنتهي باحتلالها من قبل الحركة الشعبية والجيش السوداني قادر تماما على استعادتها ولكنها الحرب القاتلة للطرفين.. * احتلال هجليج، التي تقع ضمن منطقة ابيي الحدودية المتنازع عليها كان من المفترض ان تتحول لبقعة تكامل تمنح الدولتين الجارتين الفرصة لبناء انموذج لعلاقات حسن الجوار الافريقي الحميم والتعايش الاخوي، خاصة انهم انفصلوا من جسم واحد وعرفوا الحروب ومالاتها وبينهم كثير من الروابط الثقافية واللحمة الاجتماعية التي يمكن ان تستثمر لصالح المواطنين والدولتين.. * ان قرار احتلال هجليج لا يعتبر باي حال من الاحوال قرارا صائبا وما كان للحركة الشعبية ان تجنح لمثل هذا الفعل "الاهوج" وأمامها الفرص التاريخية للحوار والتفاوض وبسط نفوذها بالتآخي والتواصل الاجتماعي الثقافي والاقتصادي وللاستفادة من القدرات الكبيرة للسودان على صعيد البنى التحتية وقدراته السياسية والدبلوماسية وما يتمتع به من علاقات مميزة ودول الجوار الافريقي وفي محيطه العربي والاسلامي. * ان تجربة هجليج يجب ألا تمر دون قفل كل الملفات العالقة والسعي لبناء علاقات جوار متطورة وتحويل مناطق الحدود الملتهبة لقرى نموذجية صالحة للحياة الكريمة لشعب ارهقته الحروب وعلى المجتمع الدولي والاقليمي الذي رعي نيفاشا يجب ألا يقف في محطة شجب هذه الخروقات التي تشكك في الاتفاقيات الدولية ومقاصدها وتزعزع الامن الاقليمي والمحلي.. ان السعي لنشر المعرفة وثقافة التعايش ضرورية للطرفين وفتح آفاق الحياة الكريمة وسط غابات الجنوب هو رهان لدعم التنمية المستدامة لتتحرك الدولتان للامام بسلاح التآخي وليس بفوهة البنادق التي تعطل قطارات النماء. * ان كان الفقر والجهل سببا للحروب اللعينة فيجب ألا تتحول آبار النفط لاداة تدمر المقدرات الاقتصادية للدولتين وترجعهم للمربع الاول ومع النفرة الوطنية العالية التي اجلست جميع السودانيين على مقاعد حماية الوطن ويجب استثمار هذه الاجواء لترتيب البيت من الداخل سياسيا وحراسة مكتسبات الوطن الاقتصادية ليخرج انسان السودان الشمالي من ضيق العيش ويلتفت للبناء والاعمار. همسة: على العقلاء في الجانبين ان يرفعوا اصواتهم لاسكات البنادق وتعمير الارض بدلا من حرقها. المصدر الشرق القطرية 164/2012م