بعد أن ظن العالم أن أطول الحروب في القارة الإفريقية قد ذهبت إلى غير رجعة عبر توقيع اتفاق السلام الشامل بين شطري السودان، وأن انفصال الجنوب عن الشمال سيبعد الطرفين عن مسارح المعارك العسكرية، عادت نذر الحرب الشاملة تدق النواقيس، إذ ترك الاتفاق الموقع بين طرفيه قضايا عالقة مثل الحدود والموارد أدت إلى مواجهات كان آخرها دخول قوات الجنوب منطقة هجليج، أمرٌ أثار قلق المجتمع الدولي لاسيما المحيط الإفريقي. وأبدى مخاوف شعبي البلدين من حرب جديدة تلوح في الأفق القريب. لا بديل للسلام، هكذا تقول التجربة الإنسانية، ولعل شمال السودان وجنوبه قد جربا دروب الحرب عقوداً طويلة ولم يجنيا منها شيئاً بل على العكس من ذلك، لم يستطع البلدان استغلال الموارد الضخمة التي تذخر بها الأرض ولم يستطيعا كذلك استغلال الموارد البشرية الهائلة في إحداث التنمية المنشودة. قيادتا البلدين صرحتا ولأكثر من مرة أن لا سبيل إلى حل القضايا محل الخلاف إلا عبر الحوار والتفاوض، لكن من حين لآخر تذهب الأمور في اتجاه تجربة الماضي المكلفة في الأنفس والثمرات. قضايا داخلية ملحة تنتظر كلا البلدين بعد مخاض الانفصال العسير، فالشمال الذي فقد ما يصل ل 75% من عائدات النفط، في حاجة إلى تعويض الأمر ورفد اقتصاده بموارد أخرى لا تنقصه، فباطن الأرض تذخر بأضعاف ما فقد، إلى جانب حاجته لترتيب بيته الداخلي والتوافق مع قوى المعارضة خصوصاً حول موضوع الدستور الدائم للبلاد، أما جنوب السودان فيحتاج أيضاً التفرغ لقضاياه الداخلية المتمثلة في تحسين الأوضاع الاقتصادية وبناء مؤسسات الدولة فضلاً عن قضايا أخرى، أمرٌ يحتم على البلدين التحلي بالصبر والابتعاد عن حوار المدافع المكلف مادياً وبشرياً. وعلى الرغم من القصف المتبادل الكلامي منه والمدفعي، إلا أن ضوءاً يبرز في نهاية النفق، ففرص العودة لطاولة المفاوضات وحل قضايا الخلاف عبرها لا تزال مواتية، يدعمها حرص دولي كبير على تلافي العودة لمربع الحرب، ورغبة إقليمية في التوسط بين الطرفين لطي صفحة الخلافات إلى غير رجعة. المصدر: البيان الاماراتية 19/4/2012م