منذ أن كنا تلاميذاً في المدارس الأولية ونحن بين يدي الاستقلال تعلمنا دروساً في الوطنية.. كان معلمونا يقولون لنا إن البلاد تناضل من أجل الاستقلال من المستعمر الأجنبي (الانجليز).. كانوا يقولون لنا إن الوطنية هي أن يضحي الواحد منا بماله ونفسه وأولاده من أجل الوطن وسلامته وحريته ووحدته.. كان الحديث عن انفصال الجنوب وهو خيانة للوطن وانجازاً للسياسة الاستعمارية التي عملت من أجل تخلف الجنوب وإثارة النعرات العنصرية والدينية فيه, وبين الإشاعات والشكوك حتي تولدت عدم الثقة بين الشماليين والجنوبيين, فكانت أحداث تمرد توريت عام 1955م حتي ظننا أن مطلب (الفدريشن) هو خطوة نحو الانفصال!! كان معلمونا يسألوننا.. وإذا طلب من أحدكم أن يضحي من أجل الوطن بنفسه ليسلم كل الوطن فهل تقبلون؟ كنا نقول بصوت واحد.. نعم.. ثم كبرنا وكبرت أحلامنا وتفكيرنا وطموحاتنا, وفهمنا أن الوطنية هي أن ينمو الوطن ويزدهر اقتصادياً, وأن يستقر ويسلم الوطن من صراعات أبنائه وان.. وان.. ولكن... يبدو أن الذي حدث هو عكس ذلك تماماً... أخرجنا الاستعمار البريطاني ونسينا الوطنية تماماً... استبدلنا الاستعمار بالاستشعار (كما ظل أخي عثمان ميرغني يقول دائماً)... وأحللنا الاحتراب والتمرد والانقلابات مكان العمل السلمي, فأين الوطنية اذاً يا هؤلاء.. هل ذهبت أدراج الرياح.. هل نسينا مع خروج آخر جندي بريطاني؟! اليوم السودان في مفترق طرق.. اما أن يستقر أو تعم فيه الفوضى.. يتوحد أو يتمزق وتنفصل منه بعض أجزائه.. يزدهر اقتصاده أو ينهار.. وهذه تشاد تريد أن تجرنا إلي حرب استنزاف جديدة بعد ان توقفت الحرب في الجنوب.. نعم حرب استنزاف للموارد والأموال من الخزينة العامة لنوجهها للحرب لا التشييد ومقابلة المصرفات الجارية من مرتبات وخدمات وغيرها. لماذا لا نجلس كسودانيين لنحل مشاكلنا بأنفسنا بدلاً من ان يصبح (سلة مبادرات العامة.. كل من له مشكلة داخلية أو أجندة خاصة يحشر أنفه في مشاكلنا يدعي أن لديه الحلول)؟. يا أبناء السودان.. مؤتمر وطني وحلفاء, حركات دارفور المسلحة, الحركة الشعبية, الأحزاب المعارضة.. كلكم مستهدفون وموارد السودان هي المطلوبة.. لا تنخدعوا بالآخرين... اجلسوا معاً.. تنازلوا واحترموا بعضكم بعضاً والوسيلة الوحيدة للتوافق هي الانتخابات, يسبقها اتفاق حول الثوابت والقوانين المشتركة والاعتماد علي التنادي السلمي للسلطة الديمقراطية المستدامة.. هي الحل الوحيد فهل تؤافقون؟ نقلا عن صحيفة السوداني السودانية 21/5/2009م