ظللنا نحتفل بالاستقلال مايقرب من ستين عاما ونحن نخدع أنفسنا بأننا قد استقللنا من الاستعمار البريطاني ولكن ظلت الحقيقة المرة تقول إننا نخادع أنفسنا، نعم ذهبت الإدارة البريطانية بكل مؤسساتها السيادية والإدارية والاقتصادية ولكن للأسف أحللنا محلها مؤسسات مشابهة جعلت من نفسها سيدا على المواطن وليست خادما له. صارت الخدمة المدنية التى كنا نفخر بها كأفضل مؤسسة فى المنطقة العربية والإفريقية، صارت مثالا لعدم الكفاءة والفساد وكابحا للتقدم والأزدهار. تمزق وطننا وأصبح قسمين ورغم ذلك ندعي أنه إنجاز! أصبحت السلطة والاحتفاظ بها بأي وسيلة هو الهدف. تدهور الاقتصاد تدهورا مريعا وتدهورت معه قيمة عملتنا الوطنية وصار عدم الاستقرار النقدي فالاقتصادي هو السمة البارزة فى اقتصادنا بل يبشرنا بعض المسئولين بأننا سنعيش أوضاعا أصعب فى الأعوام الثلاثة القادمة ويدعي وضعا اقتصاديا أفضل بعدها فى وقت يعجز فيه إقناعنا بما فعله عائد البترول فى سابق أعوامنا ولا ما هي الضمانات فى تحسن الوضع الاقتصادي. عمّ الفساد حتى أصبح حالة سرطانية فى مرحلته الأخيرة. ضعفت بل أضعفت عن سبق الأصرار والترصد مؤسساتنا السياسية والدستورية والرقابية. صارت القبلية والجهوية وأخيرا الطائفية والانتماء لها والولاء للسلطة لا الكفاءة ولا المصلحة الوطنية هى مصدر تولي المناصب. صارت الحروب الأهلية أوضح مظهر للإخفاق السياسي والإنفاق المالي العالي الذي يؤثر على المستوى الاقتصادي، كما صار الصرف السياسي والبذخي من أكبر معوقات التنمية ومظهر العجز المالي لأي موازنة. من جهة أخرى مازالت أحزابنا لم تطور نفسها كأحزاب حقيقية معارضة أو حاكمة مؤهلة لتولي المسئولية كعادتها منذ أن ظهرت للوجود فكانت النتيجة تشققها وتبعثرها وضعف أدائها، وأخص بالذكر الحركة الإسلامية التى استولت على السلطة بالانقلاب على الديمقراطية دون استعداد حقيقي وبرنامج واضح فانقسمت الى قسمين بسبب الصراع على السلطة من يديرها وكيف يديرها فانعكس ذلك على أدائها وغرقت فى وحل الصراع العسكري والتمردات والشباك الدولية والفشل الاقتصادي الأمر الذى أثر بشكل مباشر على صدقيتها ومستقبلها! رغم الزيادة فى كمية التعليم العام والعالي لكنه ظل دون المستوى بسبب ضعف الإنفاق عليه والاهتمام به كأقوى عامل لتجاوز حالة الفقر وتقوية الاقتصاد ونفس الشيء ينسحب على قطاع الصحة. أما الإنتاج الزراعي والصناعي كقطاعين حيويين فى الاقتصاد فحدث ولا حرج ونظرة واحدة للأرقام وتصريحات المسئولين والعاملين فى هذين القطاعين تقطع نياط القلب. صحافتنا، نقاباتنا، مؤسساتنا المختلفة تتأرجح بين الضعف والانهيار وعدم الفاعلية لأسباب اقتصادية وسياسية. البطالة والعطالة المنتشرة بين الشباب أصبحت سمة بارزة فى وضعيتنا الاقتصادية والاجتماعية ولذلك آثاره السالبة خاصة فى ظل وضع اقتصادي يتسم بالركود والتضخم الواضح. بالله عليكم كيف لبلد كهذا يجرؤ أبناؤه أن يحتفلوا بالاستقلال؟ ماهي معايير الاستقلال؟ إني أدعو للتوقف عن الاحتفال به وتوفير أي قرش لذلك حتى يتحقق الاستقلال الحقيقي: سلام حقيقي فى كل ربوع البلاد ونظام فدرالي حقيقي، اقتصاد قوي وانتاج زراعي وصناعي وافر ومعيشة أفضل وحياة كريمة وفرص عمل أكثر، حكم راشد وممارسات سياسية ديمقراطية حقيقية وتبادل سلمي للسلطة، محاربة للفساد، مؤسسات سياسية وسيادية فاعلة وتوزيع عادل للسلطة والثروة بين كافة أقاليم البلاد وزوال التهميش، تعليم متطور وقطاع صحي أفضل. حين يتحقق ذلك لا بأس أن نحتفل أما الآن فلا وألف لا.. كفاية خداع للنفس.