قالت وزارة النفط السودانية إنها تمكنت – مستعينة بدول صديقة – من إخماد النيران التى أشعلها الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان فى آبار ومنشآت النفط فى منطقة هجليج السودانية الحدودية، قبل أن يجبره الجيش السوداني على إخلائها مخلفاً وراءه قتلي وجرحي وآليات عسكرية ظهيرة الجمعة الماضية. وقال وزير النفط السوداني الدكتور أحمد الجاز إنّ عمليات الحرق والتخريب شمِلت محطة المعالجة المركزية وخطوط الأنابيب الناقلة ومحطات الكهرباء ومحطات التجميع والمخازن الرئيسية ومحطات التشغيل إضافة الى المساكن والاتصالات، وأضاف الجاز عقب عودته من جولة تفقدية للمنشآت النفطية فى هجليج مؤخراً، إن عمليات إشعال الحريق والتخريب لم تتم بصورة عشوائية عادية وإنما تمت على يد خبراء أجانب. ويثير هذا الوضع الغريب تساؤلات عدة حول طبيعة الأهداف التى رمت إليها عملية الهجوم علي هجليج واحتلالها، فقد بدا واضحاً أن تدمير منشآت النفط وإحراقها إحراقاً كاملاً كان جزءاً من أهداف العملية، وربما كان هدفاً رئيسياً الغرض منه القضاء علي النفط السوداني تماماً وإخراجه من موازنة الدولة السودانية – نهائياً – وهذه هى المؤشرات التى على أساسها وضحَ أن الحرب -فى جوهرها- اقتصادية بالدرجة الأولي ولعل أبلغ دليل على ذلك الاستعانة بخبراء أجانب متخصصين فى عمليات تخريب وإحراق آبار البترول لأن من المعروف فنياً أن حرق آبار النفط وتدمير منشآته يحتاج الي معرفة فنية لأن سائل النفط كما هو معروف عبارة عن عناصر كيميائية لا يمكن إلحاق الأضرار بها إلا عبر عمليات كيميائية معقدة لا تتوفر للأشخاص العاديين، خاصة وأنّ عمليات الحرق والتدمير كانت مربوطة بمدي زمني معيّن ؛ كما أنها كانت تتطلب منحها أطول وقت ممكن حتى يتسع نطاق التدمير بأقصي درجة ممكنة، كما أن أبلغ دليل إضافي على ذلك التسجيلات الصوتية التى عرضها جهاز الأمن والمخابرات السوداني – الخميس الماضي – والتي تضمنت توجيهات صريحة لقادة جنوبيين لقادة الجيش الشعبي فى هجليج بالعمل على إحراق المنشآت النفطية إذا ساءت الأمور، وتغلب عليهم الجيش السوداني وهو ما حدث بالفعل. غير أن الغريب فى هذا المنحي أن عملية التدمير والإحراق إذا كانت الهدف الوحيد، كان من الممكن أن تتم دون الحاجة لإحتلال المنطقة وعبر عملية استخبارية، الأمر الذى يشير الى أن عملية الإحراق والتدمير لم تكن الهدف الوحيد، وإنما كانت هدفاً – ضمن أهداف أخري – للعملية ولهذا رأينا كيف غالطت الحركة الشعبية بشأن ملكية هجليج، وأدهشت العالم بأسره عبر هذه المغالطة، فقد كانت هذه المغالطة مجرد غطاء لعمليات أخري. ونشير هنا الى أن جزء من الأهداف الأخرى إشغال وإلهاء الحكومة السودانية حتى تتمكن عناصر الجبهة الثورية من شقّ طريقها فى عمق جنوب كردفان ولذلك رأينا المحاولات المستميتة من جانب المتمردين للإستيلاء على منطقة تلودي، و أم دافوق فى وقت واحد على اعتبار ان الجيش السوداني سوف يجد صعوبة بالغة فى صدّ أكثر من هجومَين متزامنين فى وقت مشترك واحد. وعلى ذلك يمكن القول إن دخول هجليج فى الواقع كان فى تقدير الذين خططوا له، وهم بهذا الصدد ليسوا عناصر الحركة الشعبية فقط، أن يحقق عدداً من الأهداف تصب كلها فى إضعاف السلطة المركزية الحاكمة فى الخرطوم وتهيئة المناخ لسقوطها، وفى ذات الوقت إضعاف اقتصاد السوداني حتى تختلّ المعادلة بين البلدين ليتقدم الجنوب فى المرحلة المقبلة وتكون له الغلبة – الى الأبد – على السودان. وبالطبع لن يفوتنا أن نشير هنا الى أن كل هذا لم يتحقق وكان من المستحيل أن يتحقق بسبب الوعي والحس الوطني السوداني، ولعل من مفارقات الظروف والأقدار أن كل ما فعلته الحركة الشعبية من تخريب للنفط السوداني يأتي خصماً على النفط الجنوبي الذى لا مجال مطلقاً للدولة الجنوبية للسيطرة عليه طالما أنها مَدِينة اقتصادياً للسودان!