تؤكد كافة الدلائل والبراهين أن بنيامين نتانياهوومعه أفيجدور ليبرمان وزير خارجيته لن يتراجعا قيد أنملة عن الاستمرار في تهويد القدس وإقامة المستعمرات حولها، وشق الأنفاق تحت المسجد الأقصى، ومنع الصلاة والاعتكاف فيه دون أن يعبأ أي واحد منهما بكلمات الإدانة أوالقرارات الدولية أوالاتهامات التي وجهها إليه ريتشارد جولدستون، بل أنه يمعن في إرتكاب جرائم الحرب وشن حملات الإبادة ضد الفلسطينيين لاسيما كلما لاحت الفرصة لتقديم مبادرات سلام، أووضع حد لمعاناة هذا الشعب. وقد شاهد الرأي العام العالمي على قنوات البث الفضائية، وقرأ على صفحات الجرائد عن اقتحام متطرفين يهود في حراسة الشرطة الإسرائيلية لباحات المسجد الأقصى وعن حماية حاخامات جماعة "أمناء الهيكل المزعوم"، وهي الجماعة التي تأخذ على عاتقها إعادة بناء الهيكل، وقاموا بهذه الأعمال الإجرامية أثناء الاحتفال بعيد "كيبور" أوعيد الغفران، وهوالحادث الذي أصيب فيه أكثر من 40 فلسطينيا، ولن يكون هذا هوالحادث الأخير في سلسلة الأعمال الاستفزازية الإسرائيلية. وفي الحقيقة أن الحكومة الإسرائيلية تصاب بحالة من الهلع كلما تقدم أي طرف دولي باقتراح مقبول لتحقيق السلام لأنها ترى أن هذا الحل يشكل كابوسا عليها، وكأن المسجد الأقصى قد أصبح ملكا خاصا لليهود وحدهم، أما المسلمون فهومحرم عليهم وليس أدل على ذلك من منعهم إقامة الصلاة فيه في شهر رمضان فعمليات التهويد تسير على قدم وساق حيث يتم فيها طرد وإخلاء القدس من سكانها الأصليين واستبدالهم باليهود ليكون سكان المدينة كلهم بعد ذلك من الصهاينة. وتشير الوقائع والأحداث أن إسرائيل تعمل على طرد 20 % من السكان الفلسطينيين لتهويد المدينة عام 2020 وفق المخطط الذي قامت بإعداده في هذا الصدد، وقد صرح أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين بأن عمليات طرد الفلسطينيين من منازلهم تتم بنجاح كبير، ويؤكد المراقبون الدوليون أن الموقف الإسرائيلي في غاية الوضوح على الرغم من محاولات إخفائه لأنها فضلت أن تكون هي القاتل الخفي، وأن العرب هم الذين يرفضون نداءات السلام والتطبيع مع جارتهم المسالمة. وإذا كان الجهاد بالكلمة والسيف هوالسبيل الوحيد لتحرير القدس فإن هذا لا يمنعنا من طرح هذه القضية أمام الرأي العام العالمي لاسيما أن الاتحاد الأوروبي قد انتقد في يوليو2008 استمرار الأنشطة الاستيطانية عقب مصادقة الحكومة الإسرائيلية على بناء وحدات سكنية في أبوغنيم جنوبالقدس وشمالها، وجاء في بيان أصدرته الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي أن الاستيطان الإسرائيلي يمس بمصداقية العملية السياسية، ويجهض الجهود السلمية لحل القضية الفلسطينية، ولعل ما جرى طوال السنوات العشر الأخيرة حتى عام 2009 يشكل انتهاكات خطيرة تؤكدها الحقائق والإحصاءات ولن تتراجع الطغمة الحاكمة في اسرائيل الآن عن مخططاتها الرامية إلى تهويد القدس قولا وفعلا إلا إذا رأت من يردعها. ومن غير المعقول أن تقف أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية بكل ثقلها الاقتصادي والسياسي والروحي موقف المتفرج العاجز عن حماية ما تبقى من القدس مهما تكن النتائج التي يمكن أن تترتب على ضرورات هذه المواجهة الحتمية والعاجلة كما أنه من غير المنطقي أن تهاجم بعض الأنظمة العربية والإسلامية المجاهدين فوق الأرض المحتلة، وتوجه لهم نفس الاتهامات التى يرددها الغرب بأن هؤلاء المجاهدين إرهابيون وقتلة، هذا الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل كل أنواع القتل والطرد وهدم المنازل ضد الأطفال والنساء والعجزة، وتواصل بناء المستوطنات حيث يمضي البناء في القدس بصورة منتظمة، وقد أعلن نتانياهوأن تجميدا كاملا لبناء المستوطنات لن يحدث أبدا، وقد أرست الحكومة الإسرائيلية منذ أيام عطاءات لبناء 468 شقة جديدة في القدسالشرقية. ومن ثم فإن القدس لن تحرر إلا بسواعد المجاهدين، والعمل العربي والإسلامي ينبغي أن يأخذ شكلا جديدا بشأن هذه الاعتداءات، يتجاوز سياسة البيانات والاجتماعات الروتينية والقرارات التي لا تأخذ طريقها إلى أرض الواقع ليصل هذا العمل إلى توافق عام حول آلية عمل فعلية تأخذ زمام المبادرة لتحريك قضية القدس على كافة المحاور وكل المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، فليس ثمة تعارض بين نشاط المجاهدين وتمسك العرب بخيار السلام، كما يجب إشهاد المجتمع الدولى علي ما يدور في القدس، فهذه قضيه تمثل بالنسبة لنا خطا أحمر ليس مسموحا تجاوزه، واختبارا حقيقيا لمدى التزام إسرائيل بمفهوم السلام، والانصياع لمقررات الشرعية الدولية. وهذا يعني أن استمرار السكوت على كما يجري في القدس بدعوى أن المدينة مدرجة في قضايا الحل النهائي لم يعد ممكنا لأن كافة الشواهد تؤكد أن إسرائيل تسابق الزمن من أجل تغيير الأوضاع الديموجرافية والقانونية للمدينة المقدسة حيث إن الخطر لم يعد متمثلا في تهويد الأرض فقط وامتلاكها، وإنما هذا الخطر انتقل إلى تهويد البشر ويكفي ما نراه من عمليات سحب الهويات الشخصية لأبناء القدس من الفلسطينيين تمهيدا لطردهم، وبهذا نرى أن انتهاكات المتطرفين الإسرائيليين للحرم القدسي تعد امتدادا لانتهاكات عديدة تمت منذ احتلال القدس في السابع من يونيو1967، يؤكد ذلك أن محكمة العدل العليا الإسرائيلية قد قررت في 23/ 9/ 1993 أن موقع الحرم القدسي خاضع للسيادة الإسرائيلية. وقد تناقلت وسائل الإعلام ما يحدث من عمليات الهدم والحفر في المناطق القربية والملاصقة للمسجد الأقصى وذلك دون النظر لما يتمتع به من أهمية دينية لدى المسلمين، فهوثاني المساجد في الأرض بعد المسجد الحرام وبينهما أربعون سنة، وهويعتبر من المساجد التي تشد إليها الرحال كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم، كما أنه المسجد الذي أسري إليه النبي من مكةالمكرمة وقد قال الله تعالى في ذلك "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" وهوالمسجد الوحيد الذي اجتمع فيه جميع الأنبياء وصلى بهم محمد عليه السلام إماما ومن هذا المسجد بدأ معراج النبي إلى السماء، وهناك في السموات العلى فرضت الصلاة، كما أن فتح بيت المقدس كان من العلامات التي بشر بها النبي "صلى الله عليه وسلم" وكانت مدينة القدس هي البلدة الوحيدة التي خرج إليها عمر بن الخطاب لتسلم مفاتحها عام 15 هجرية. وظل المسلمون يعاملون القدس معاملة الحرم الذي لا يجوز القتال فيه ولا سفك الدماء على أرضه، فحررها صلاح الدين الأيوبي من أيدي الصليبين عام 1187 بعد تسعين عاما من اغتصابها، وسجد على ترابها، ولم يصنع ما صنعه الصليبيون عندما احتلوها عام 1099 حيث قتلوا وحرقوا وذبحوا سبعين ألفا من أهلها، كما ذبحوا الذين احتموا بمسجد قبة الصخرة، وتحولت دماء الضحايا إلى أمواج تسبح فيها خيول الصليبين، وقد أثبت صلاح الدين بذلك تفرد الموقف الإسلامي من هذه المدينة المقدسة، فلم يقتل، ولم يسفك دماء أحد بها، وقد عبر صلاح الدين في الرسالة التي بعث بها إلى ملك الصليبين "ريتشارد قلب الأسد" عام 1999 عن ذلك بقوله: "القدس إرثنا كما هي إرثكم، فمن القدس عرج نبينا إلى السماء، وفي القدس تجتمع الملائكة، فلا تفكر بأننا يمكن أن نتخلى عنها كأمة مسلمة، واحتلالكم لأرضها كان شيئا عرضيا وحدث ذلك لأن المسلمين الذين عاشوا حينها كانوا ضعفاء، ولن يمكنكم الله أن تشيدوا حجرا واحدا في هذه الأرض طالما استمر الجهاد. وهكذا نرى أن القدس مدينة عربية إسلامية عريقة، شهد تاريخها من الأحداث والصفات ما جعلها رمز الصراع بين الحق والباطل، وبوابة الانتصار في هذا الصراع التاريخي الطويل، وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال: "لا تزال طائفه من أمتي ظاهرين لعدوهم، قاهرين له، لا يضيرهم من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله، وهم كذلك، قالوا: يارسول الله وأين هم، قال ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس. لقد وقف مليار ونصف المليار من المسلمين، يشكلون ربع سكان العالم، موقف المتفرج أمام المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تهويد القدس، وزرعها بالمستوطنات الصهيونية، وحفر الأنفاق تحت أولى القبلتين، وثالث الحرمين تمهيدا لهدمه، وقد صرح حاخامات اليهود بأنهم سوف يقومون ببناء الهيكل داخل الحرم القدسي، وسوف يتم الانتهاء من ذلك في مارس القادم، وقد طرح الدهاء اليهودي حلا شيطانيا لمشكلة المسجد الأقصى، ويتمثل هذا الحل في تفكيكه ثم نقله إلى أي دولة إسلامية، وتشير الشواهد العملية إلى تقاعس عربي وإسلامي انتظارا لما سوف تسفر عنه محاولات المجتمع الدولي بهذا الشأن، وقد اعتدنا على خوض حروبنا بالحناجر والخطابة والأناشيد الوطنية، ثم البكاء على اللبن المسكوب انطلاقا من أن لبيت المقدس رباً يحميه كما فعل عبد المطلب بن هاشم جد الرسول "صلى الله عليه وسلم" مع أبرهة الحبشي حين جاء لهدم الكعبة، فهل سيظل العرب والمسلمون هكذا، وقد أصابهم الخرس بعد أن أعلن قادة إسرائيل أن مجال الأمن القومي للدولة العبرية يمتد من باكستان إلى المغرب، ومن روسيا إلى قلب إفريقيا أي أن الدفاع عن المسجد الأقصى لن يقف عند بوابات وساحات الحرم القدسي. ومن ثم فإن الدفاع عن الأقصى يجب أن يبدأ من أي شبر في الأراضي التي تستولي عليها إسرائيل لأن هذه الأراضي لها نفس قدسية المسجد الأقصى، وأن اغتصابها هوبمثابة مقدمة لاغتصاب كل المقدسات الإسلامية والعربية الأخرى التي تتهددها الأطماع الصهيونية من كل جانب، وهذا يعني أن الواقع لم يعد يحتمل المزيد من العبث بعد أن اقترب الخطر، ولن يعد من الممكن تجاهله أوالتغاضي عنه، وتأسيسا على ذلك فإنه ما لم تستيقظ الشعوب الدول العربية والإسلامية من سباتها قبل فوات الأوان أي أن مصير هذه الأمة إذا استمر هذا التخاذل لن يكون أفضل من مصيرالهنود الحمر. وقد كشفت مصادر إسلامية النقاب عن مخطط صهيوني يهدف لبناء حي استيطانى جديد لمدينة القدس يضم 14 ألف وحدة سكنية، وقد تم تقديم هذا المخطط إلى مجلس إدارة سلطة التطوير، وسوف يتم بناء هذا الحي خلف جدار الفصل العنصري لربط المستوطنات الإسرائيلية مع بعضها، وتهويد القدس، وإنهاء الوجود الفلسطيني في هذه المدينة، وهكذا نرى أن التآمر على الأقصى مستمر منذ سنوات طويلة، يؤكد ذلك أنه طوال السنوات الماضية والحكومة الإسرئيلية تشجع جماعة أمناء الهيكل بالصلاة فوق التلة الترابية المؤدية إلى باب المغاربة بعد أن حصلت على الضوء الأخضر من المحكمة العليا في إسرائيل لوضع حجر الأساس الرمزي لهذا الهيكل المزعوم.