يبدأ الرئيس الروسي المنُصب حديثاً، فلاديمير بوتين، زيارة إلى الصين تمتد ليومين انطلاقاً من أمس الثلاثاء، حيث من المتوقع أن تركز على العلاقات الاقتصادية المتنامية بسرعة ملفتة بين البلدين وتشدد أيضاً على المواقف المشتركة للعملاقين فيما يخص بعض القضايا الدولية الملتهبة مثل سوريا. ويأمل الكريملن من وراء الزيارة التأكيد على حجم الإنجازات التي تحققت على مسار العلاقات المتوترة تاريخياً بين البلدين منذ مجيء بوتين إلى السلطة قبل أكثر من عقد من الزمن، هذا التحسن في العلاقات الثنائية الروسية الصينية تجلى في تسوية النزاعات الحدودية بينهما الممتدة على مسافة 2500 ميل، بالإضافة إلى النمو الكبير في التجارة البينية والتعاون الأمني، ناهيك عن النظرة المتطابقة حيال بعض القضايا الدولية ورغبتهما المشتركة في التصدي لما يعتبرانه محاولات الغرب لفرض ملامح النظام العالمي. وعن هذا التقارب بين البلدين، يقول "سيرجي ماركوف"، نائب رئيس جامعة بليخانوف بموسكو، وأحد مستشاري الرئيس بوتين: "بالنسبة لروسيا يبقى الحوار السياسي مع الصين أسهل من النظراء الغربيين، كما أن بوتين يعتقد بأن روسيا والصين هما عملاقان لديهما مسؤوليات مشتركة لاتخاذ بعض المواقف المبدئية". ويضيف المستشار: "ولا نغفل أن الاقتصادات الأوروبية في هذه المرحلة تمر بأزمة خانقة فيما آسيا ما زالت تعيش على وقع النمو، كل هذا يبرر التحسن النوعي المهم في العلاقات الروسية الصينية". وخلال الزيارة التي يقوم بها إلى الصين سيشارك بوتين في قمة منظمة تعاون شنغهاي التي تقودها روسيا والصين بعضوية أغلب بلدان الاتحاد السوفييتي السابق ودول آسيا الوسطى، وتعتبر المنظمة التجمع الدولي الوحيد الذي لا تشارك فيه الولاياتالمتحدة، ولا أي من حلفائها، في وقت سيصبح فيه دور المنظمة الأمني في وسط آسيا مهماً للغاية بعد الانسحاب المرتقب لقوات "الناتو" من أفغانستان. ومن المتوقع أيضاً على هامش القمة أن يلتقي الرئيس الإيراني، الذي يشارك كمراقب، ببوتين في محاولة من أجل حشد الموقف الروسي لتأييد الرؤية الإيرانية قبل بدء المفاوضات بين طهران ودول 1+5 بموسكو، وفي هذا السياق صرح مستشار الكريملن للسياسة الخارجية، "يوري أوشاكوف"، أن الموقف الروسي الأساسي خلال اللقاء سيكون "دعم الفكرة التي تدافع عن حق إيران في امتلاك الطاقة النووية السلمية تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية". لكن يبقى الموضوع السوري الذي وضع روسيا والصين في مواجهة أغلب القوى الغربية الأكثر لفتاً لوسائل الإعلام، ففي لقاءاته خلال الأسبوع الماضي مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بالإضافة إلى اجتماعه في إطار قمة الاتحاد الأوروبي وروسيا بمدينة سانت بطرسبيرج الروسية، أصر بوتين على تكرار موقف بلاده السابق الرافض لفرض عقوبات على سوريا أو التمهيد لتدخل عسكري هناك، مفضلاً بدلاً من ذلك دعم خطة السلام التي يرعاها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان. وحسب الموقع الإلكتروني للكريملن، قال الرئيس الروسي: "تجمعنا علاقات ودية مع سوريا ترجع لعدة سنوات خلت، لكن رغم ذلك نحن لا ندعم أياً من الطرفين اللذين يسيران بالبلاد نحو حرب أهلية، ومع الأسف بدأنا نرى بعض ملامح تلك الحرب تطل برأسها من سوريا، وهو أمر بالغ الخطورة، لذا نستمر في دعم النقاط الست التي جاءت في خطة عنان باعتباره أميناً عاماً سابقاً للأمم المتحدة ويمتلك من الخبرة والتجربة ما يؤهلانه للمساعدة في تسوية الأزمة، فهدفنا هو وقف العنف بصرف النظر عمن يقترفه". هذا الموقف الروسي ينسجم تماماً مع النظرة الصينية، فحسب ما جاء في افتتاحية لصحيفة "بيبل دايلي"، المتحدثة باسم الحزب الشيوعي، "تبقى الخطة الواقعية لمواجهة الأزمة السورية هي التقيد بالنقاط المقترحة من قبل عنان". لكن الأخبار المهمة التي ستحجبها الأزمة السورية هي التقدم الكبير الذي تحقق في العلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين، فقد وصلت التجارة البينية إلى 80 مليار دولار خلال العام الماضي، ما جعل الصين الشريك التجاري الأول لروسيا، ومن المتوقع أن يرتفع حجم التجارة بينهما إلى 100 مليار دولار بحلول 2015. وتحتل الأسلحة الروسية والآلات الهندسية والبضائع الصينية أهم مواد التبادل التجاري بين البلدين، بل إن العملاقين حسب المستشار "ماركوف"، يتحاشيان بشكل متزايد التعامل في تبادلهما التجاري بالعملة الأميركية، الدولار، مفضلين إجراء تعاملاتهما بالروبل، أو اليوان، ويصحب بوتين في زيارته إلى الصين رئيس شركة السكك الحديدية الروسية، "فلادمير ياكونين"، الذي يدفع في اتجاه إنجاز مشروع ضخم يمتد لعقد كامل ويكلف مليارات الدولارات بمد خطط للسكك الحديدية يصل بين النمسا غرباً وحتى الأطراف الروسية على المحيط الهادي، الأمر الذي سيسهل التجارة والشحن لأول مرة بين أوروبا الغربية وشرق آسيا. وتطمح روسيا إلى مد خط السكك الحديدية إلى الصين نفسها، وربما حتى إلى سيؤول إذا ما سُويت الأزمة المستمرة في كوريا الشمالية، لكن رغم هذا التقارب الكبير في العلاقات الروسية- الصينية يرى العديد من المحللين أن الوضع المتميز بين البلدين ما كان ليكون على هذه الحال لولا العلاقات الروسية المضطربة مع الغرب الناتجة عن النزاعات السياسية والأزمة المالية التي تخيم على أوروبا. وفي هذا السياق، يقول "ديمتري بابيتش"، الخبير في وكالة "ريا نوفستي" الروسية "في عقيدة السياسة الخارجية الروسية تحتل الصين المرتبة الثالثة في سلم الأولويات بعد جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة والاتحاد الأوروبي"، مضيفاً أن "روسيا والصين لديهما العديد من المشاكل المشتركة، وما التحسن الظاهر في العلاقات سوى مؤشر على الفشل الذي تواجهه سياستنا الأوروبية". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» المصدر: الاتحاد 6/6/2012م