صمت القبور يلف حادثة القصف الذي تعرضت له سيارة (برادو) في قلب ثاني أكبر المدن السودانية والميناء البحري الرئيس في البلاد.. أكثر من أسبوعين مضت على تلك الحادثة التي تشير فيها أصابع الاتهام إلى الموساد الإسرائيلي.. التقنية المستخدمة ودقة التصويب قرينتان تؤكدان هوية الجهة المعتدية.. أكثر ما يزيد الغموض التكتم والسرية التي تعاملت بها السلطات السودانية مع الحادث اللغز.. الخرطوم لم تتهم إسرائيل رسميا، عدا تصريح يتيم لوزير الخارجية السوداني عقب الحادث مباشرة.. رغم الضغوط الأخرى التي تواجهها الخرطوم، فإنها لم تسع لاستغلال الحادثة كما كان يتوقع البعض لتوجيه الأنظار بعيدا عن المشاكل الكثيرة التي تمسك بتلابيبها، فهي في أمسّ الحاجة لاستثمار حادث كهذا تورط فيه الموساد الإسرائيلي بشكل سافر.. لقد لقي المواطن السوداني ناصر عوض الله أحمد سعيد (65) عاما مصرعه داخل سيارته التي تفحمت تماما بسبب صاروخ موجه. منذ العام 2009م وبورتسودانالمدينة الاستراتيجية تتعرض لحوادث قصف غريبة لا تشبه إلا الموساد الإسرائيلي.. بعد مضي أسبوعين من الغارة التي وقعت في 5 أبريل من العام 2011م على منطقة (أوكو قباتيت) بمحلية جبيت المعادن على بعد 280 كلم شمال غربي بورتسودان، ذكرت الصحف الإسرائيلية حينها أن طائرات مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي شنت غارتين منفصلتين على منطقة في شرق السودان، استهدفت كل منهما عدداً من السيارات التي زعمت أنها كانت محملة بالذخائر، ومتوجهة إلى قطاع غزة!!. القصف الإسرائيلي في منطقة (كلانايب) تزامن مع زيارة مسؤول التسليح بالجيش الشعبي بجنوب السودان اللواء إلياس ويا إلى إسرائيل!!. من بعد ذلك تعرضت سيارة (سوناتا) لقصف صاروخي أحالها إلى رماد. هل أصبح السودان في مرمى الهدف الإسرائيلي المباشر؟. ولماذا منطقة البحر الأحمر؟. إسرائيل اعترفت (بفخر) بمسؤوليتها عن العمليات السابقة.. استهداف إسرائيل للسودان مسألة تاريخية اتخذت أشكالا متعددة وغارات شرق السودان تعتبر الأعنف والأكثر سفورا.. كانت أول زيارة يقوم بها سلفاكير رئيس حكومة جوبا بعد الانفصال إلى إسرائيل، ولم تكن سوى تحصيل حاصل، فقد رعت إسرائيل التمرد في الجنوب منذ البداية، فقد تدرب كل القادة العسكريين الجنوبيين في إسرائيل كما أن الخبراء الإسرائيليين منتشرون في مختلف المرافق والأجهزة الحكومية بدولة الجنوب الوليدة، والشركات الإسرائيلية تهيمن بالكامل على صناعة الفنادق وبعض المشروعات الإنشائية الأخرى.. ما ميّز تلك الزيارة أنها أول زيارة معلنة إلى إسرائيل.. سلفاكير قال بحضور الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز: (لقد وقفتم إلى جانبنا طوال الوقت، ولولا الدعم الذي قدمتموه لنا لما قامت لنا قائمة)!!. كلام سلفاكير كان تعليقا على قول بيريز إن علاقة بلاده بقادة انفصال الجنوب بدأت أثناء حكومة ليفي أشكول في منتصف ستينيات القرن الماضي عندما كان بيريز نائبا لوزير الدفاع.. سبقت زيارة سلفاكير وعقب إعلان الانفصال مباشرة زيارة قام بها وفد إسرائيلي برئاسة نائب رئيس الكنيست داني دانون إلى جوبا. التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية سياسة تهدف إلى أحداث فجوة في العلاقات العربية - الإفريقية، وذلك من خلال استغلال بعض الدول الإفريقية التي لها حدود مع أخرى عربية.. في كتاب وثائقي صدر عام 2002 عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب للعميد في المخابرات الإسرائيلية (موشي فرجي) بعنوان "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان"، يوضح الكاتب أن (بن جوريون) أسس الانطلاقة لفرضية رئيسة أقام عليها الإسرائيليون تعاونهم ودعمهم غير المحدود للأقليات العرقية والدينية في الوطن العربي، وأصدر بن جوريون أوامره إلى أجهزة الأمن للاتصال بزعامات الأقليات في العراق والسودان وإقامة علاقات مختلفة معها!!. العميد فرجي يؤكد أيضا أن دور إسرائيل بعد انفصال الجنوب وتحويل جيشه إلى جيش نظامي سيكون رئيسا وكبيرا، ويكاد يكون تكوينه وتدريبه وإعداده صناعة كاملة من قبل الإسرائيليين!!. لقد اتفقت إسرائيل مع دولة الجنوب وكينيا وأوغندا وإثيوبيا على إقامة حلف لمحاصرة السودان ومصر والصومال عبر القاعدة الإسرائيلية بجنوب السودان التي ستسمى قريباً ب(إسرائيلكوم).. معلوم أن للولايات المتحدةالأمريكية قاعدة في إفريقيا باسم (أفريكوم).. السؤال المحوري هو، هل غموض الخرطوم تجاه الاستفزازات الإسرائيلية مؤشر عميق الدلالة لفهم واستيعاب الرسائل الإسرائيلية أم أنه تعبير عجز وصدمة؟ المصدر: الشرق القطرية 8/6/2012م