بالطبع لن يكون خبراً -بمعايير الخبر الصحفي المتعارف عليها صُحفياً- الكشف عن حيازة قادة الحركات المسلحة الدارفورية المسلحة – جميعهم أو بعضهم – لأموال فى بنوك أجنبية فى حسابات خاصة؛ فهؤلاء القادة أصلاً حملوا السلاح وركبوا موجة الحرب سعياً وراء المال والسلطة، ومن الطبيعي إذا استعصي الحصول على السلطة أو طال الطريق إليها وكثُرت العقبات أن يسلّوا أنفسهم بالمال، فهم إغترفوه من مورد خارجي ( باعوا له) وهو إشتري! هذه فرضية مفروغ منها سقط فى براثنها غالب قادة حركات دارفور المسلحة منذ سنوات طويلة وسكنوا لمن آووهم وإطمأنوا لهم. ولكن الخبر الحقيقي فيما كشف عنه السكرتير الشخصي للمتمرد ميناوي عن أموال فى حسابات خاصة فى عدد من العواصم، مثل القاهرة وكمبالا، ولعبد الواحد أيضاً فى كمبالا، يتمثل فى ضخامة الأرقام، وهى طبعاً بعملات أجنبية مختلفة. فعلي سبيل المثال يقول السكرتير الشخصي لمناوي (حامد حقار) أن مناوي يمتلك فى بنك باركليز بكمبالا (37.267.760) يورو! أما فى القاهرة فيمتلك (6.7) مليون جنيه استرليني!.. حاصل جمع هذين المبالغين يعني نتيجة هائلة بالتأكيد، ووجه الغرابة الآخر هنا أن مناوي أعطي أوامراً لحركته للقيام بعمليات سلب ونهب واسعة النطاق فى أنحاء دارفور مستهدفاً الأهالي والبسطاء، بل سعي لفرض رسوم باهظة وأتاوات شديدة الوطأة على أهالي تلك المناطق للدرجة التى دخل فيها فى صدام مع الأهالي من جهة، وحركة العدل من جهة أخري، سقط جراءها العشرات قبل نحوٍ من ثلاثة أسابيع . إذن من الواضح هنا أن مناوي يحتفظ بالمال المودع لدي البنوك المشار إليها لأغراض شخصية, وإلاّ كان من الطبيعي أن يموِّل حركته بذلك المال. وتزداد الغرابة هنا فى ظل تساؤل ضخم عما إذا كان مناوي قد حصل على تلك الاموال المودعة فى البنوك (بجهده الخاص) ومن ثم جعله ملكاً شخصياً لا صلة له بحركته، أم هو مال خاصة بالحركة وحصل عليه بسبب كونه زعيماً لحركة متمردة ولكن قرّر أن يحتفظ به، ويقوم بتمويل الحركة من أموال الأهالي والبسطاء! ويشير (حقار) الى أن جُملة أموال مناوي زائداً أموال عبد الواحد التى تجاوزت هى الأخري ال18 مليون دولار كافية لتمويل ما يسمي بالجبهة الثورية التي تعاني من خلافات ونزاعات أحد أهمّ أسبابها غياب المال ونشوب الخلاف بين القادة الذين يسعي كلٌ منهم ليكون هو رئيس الجبهة -ليس فقط لإشباع نهم السلطة- ولكن أيضاً لإشباع الشهية العالية لإغتراف المزيد من الأموال. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى تعقبها لمصادر هذه الأموال وتاريخ حصول هؤلاء القادة عليها إلى أن غالبها أمريكي والقليل جري الحصول عليه من إسرائيل. ويعتقد بعض القادة القريبين من كل من مناوي وعبد الواحد أن جانباً من هذه الأموال تم تقديمه لهم بعد (تنازلهما) عن أمر غالٍ تحفظت المصادر على الكشف عنه فى هذه المرحلة، نظراً لمخاوف قد تترتب على ذلك حسب إفاداتهم . ومن المؤكد أن اسرائيل وحدها إشترت الكثير جداً من عبد الواحد محمد نور على وجه الخصوص، وهى إحدي أبرز الاسباب التى ظلت تعيق الشاب المغلوب على أمره عن الجلوس للتفاوض، إذ لم يعد من الممكن مهما قدمت له الحكومة من تنازلات أن يصبح جزءاً من عملية سلمية تجعله يضع السلاح، فهي إحدي المحظورات التى فُرضت عليه لأنه يعلم أنه إذا دخل عملية سلمية فسوف ينكشف أمره ولن تتسامح معه الحكومة السودانية ؛ كما لن تسامحه تل أبيب! أما مناوي، ففي الغالب بات يعول على ما تحت يده من أموال فى إنتظار (معجزة) سياسية تطيح بالحكومة السودانية لينال الإثنين، المال والسلطة! لقد تبيَّنت الآن حقيقة هؤلاء المناضلين والسِر وراء إنتفاخ أوداجهم وإحمرار أعينهم وطوافهم الدائم بين العواصم والفنادق الفخمة!