لا يختلف اثنان في أن جلوس رئيس حزب التحرير والعدالة، محمد مرسي، على عرش مصر، أول رئيس لمصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بحكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، والرئيس السادس لمصر منذ ثورة 23 يوليو، وهو كذلك، أول رئيس مدني يتم انتخابه بإرادة شعبية حرة، سيعيد خلط وإعادة ترتيب الكثير من الأوراق سواء على المستوى المحلي لمصر أو المستويين الإقليمي والعالمي، وبوصف السودان الجار الأقرب والشقيق الأوثق لمصر فإنه ينتظر أن يولي علاقته مع الجمهورية المصرية الثانية الكثير من الاهتمام لاسيما وأن وطأة فترة حكم حسني مبارك كانت قاسية عليه وعلى صلات القربى التي تربط شعبي البلدين، الأمر الذي دفعه- السودان- لتأييد الثورة المصرية ودعمها. ومثلما حبس المصريون أنفاسهم أمس انتظارا لإعلان اسم الرئيس الجديد لمصر، كانت أنفاس السودانيين تعاني الحبس، لكن ما أن أعلنت النتيجة حتى عاد إليها البشر، وتبادل السودانيون التهاني بفوز محمد مرسي، وبدأ الجميع متفائلون إزاء القادم الجديد إلى قصر القبة بمصر، ولم يخف سياسيون وخبراء سودانيون تحدثوا إلى وسائل الإعلام عقب إعلان نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية أمس، استبشارهم والشعب السوداني خيرا بالقادم الجديد إلى حكم مصر، ومع أن لكل زاويته التي فضل الحديث عبرها عن الحدث إلا أن الجميع اتفقوا في أن ما حدث من شأنه أن ينقل العلاقات السودانية المصرية إلى مربع جديد. ومنذ تفجر ثورة الخامس والعشرين من يناير، ظل موقف السودان مؤيدا وداعما لها، وكان رئيس الجمهورية عمر البشير، أول رئيس عربي يزور مصر، بعد سقوط نظام حسني مبارك، في الثامن من مارس العام الماضي، واتهم البشير، الرئيسَ المخلوع حسني مبارك بأنه كان يمثل جزءًا من التآمر ضد السودان، وقال ل "الشرق الأوسط" في سبتمبر الماضي، "أقول بصريح العبارة إن مصر في عهد حسني مبارك كانت جزءًا من التآمر على السودان، ولكن الآن المجلس العسكري المصري لديه قناعة تامة بأن السودان يمثل أمنًا قوميًّا لمصر، سواء كان أمنًا غذائيًّا، أو مائيًّا، أو عسكريًّا أو معلوماتيًّا أو غيره.. وأعتقد أنها رؤية ممتازة ومهمة كانت غائبة عن النظام المصري السابق"، وأعرب البشير حينها، عن ثقته بأن الرئيس المصري القادم، أيًّا كان، سيكون حريصًا على علاقات طيبة مع السودان وقال "نحن على قناعة تامة بأن من يأتي سوف يكون إفرازًا لثورة شعبية ويأتي عبر الانتخابات التي ستكون أكثر قدرة على اتخاذ القرارات فنحن مطمئنون للغاية على مستقبل علاقتنا مع مصر". وتبادل الطرفان الزيارات، وأجرت الحكومة مباحثات مع المجلس العسكري بالخرطوم ثم القاهرة، وقال الرئيس البشير إنه في أعقاب الثورة "قمنا فورًا بالاتصال بإخواننا في المجلس العسكري لأننا نعتبر أن العلاقة بين مصر والسودان هي علاقة خاصة ومتينة ولها أبعاد كثيرة"، وأضاف "قمنا بعقد جلسة هنا في السودان مع المجلس العسكري، ولكننا نعتبر أن هذه كلها أجسام انتقالية، لذا لم نسعَ إلى حل القضايا الأساسية مثل قضية حلايب، وهي قضية محورية، فلا نريد تحميل وزر بعض القضايا للأجسام الانتقالية وننتظر تشكيل الحكومة المستدامة"، وتابع "يمكننا القول بأن كثيرًا من الفتور والغبش والأشياء السالبة في العلاقة بين مصر والسودان قد انتهت". ووصلت العلاقات السودانية المصرية أسوأ مراحلها منتصف تسعينيات القرن الماضي، عقب محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك في 1995م، قبل أن تتحسن تدريجيا بعد العام 2000م، غير أنها ظلت متذبذبة في الكثير من الأحيان، وظلت مصر تتعامل مع السودان في عهد حسني مبارك من خلال المخابرات العامة وفقا لما أقر به رئيس حزب الوفد المصري السيد البدوي، الذي زار البلاد العام الماضي، ضمن عدد من قيادات الأحزاب، وأعترف البدوي في تصريحات أطلقها لدى وصوله الخرطوم بتقصيرهم بحق السودان وقال "لقد آن الأوان لأن نعود للحبيبة الغالية السودان بعد أن قصرنا كثيرا في حقها"، وجاءت زيارة البدوي بعد نحو شهرين من زيارة قام بها رئيس الوزراء المصري، حينها عصام شرف، للبلاد، وقطع البدوي على أنه من الآن فصاعداً لن يستطيع كائن من كان أن يفصل السودان عن مصر. واعتبر خبراء سودانيون فوز محمد مرسي برئاسة مصر، مكسبا من شأنه أن يؤدي لتجاوز الكثير من قضايا ما بات يعرف ب" قضايا المسكوت عنه"، وفي مقدمتها قضية حلايب والحريات الأربع وغيرها، لكن مدير مركز السودان للدراسات الإستراتيجية، الدكتور خالد حسين، توقع عدم فتح بعض هذا الملفات قريبا، مؤكدا أن فوز مرسي يعتبر نتيجة إيجابية للسودان على المديين البعيد والقريب، وأشار في حديث ل"الرائد" إلى أن السودان عانى أشد المعاناة من نظام مبارك ورئيس مخابراته عمر سليمان، معتبر أن ذهابهما بغض النظر عن من سيأتي لحكم مصر سيكون أفضل، وبالتالي فإن فوز مرسي إيجابيا للسودان، لأنه لو فاز منافسه أحمد شفيق فإن معاناة السودان ستستمر كما أن تأثير شفيق على السودان سيكون سالبا لأن السودان تعاطف ودعم الثورة المصرية وشفيق ليس بعيدا عن عمر سليمان أو مبارك، وتوقع الدكتور خالد حسين عدم فتح بعض الملفات الشائكة بين البلدين كحلايب وقال "حتى عندما يأتي الوقت لنقاشها سيكون ذلك بصورة إيجابية ولمصلحة البلدين"، ونبه حسين إلى الكثير من المشكلات الداخلية التي ستعترض طريق مرسي ستحول بينه وبحث بعض القضايا كقضية الحريات الأربع لكن بمجرد استقرار الأوضاع في مصر فإن بحثها سيكون أسهل. لكن الخبير الدبلوماسي الدكتور الرشيد أبو شامة، رأى أن فوز محمد مرسي بالرئاسة المصرية من شأنه أن يفتح الباب واسعا أمام حسم أعقد الملفات بين السودان ومصر على مدى عقود من الزمان، كقضية حلايب، وهو الأثر الأهم المنتظر أن يترتب على فور مرسي بالرئاسة وفقا لأبي شامة قائلا ل"الرائد"، "إن فوز مرسي سيسهل حل مشكلة حلايب أكثر من رصيفه أحمد شفيق"، معتبرا أن شفيق يعد أحد رموز نظام حسني مبارك كما هو من المؤسسة العسكرية التي قامت باحتلال حلايب، وبالمقابل فلا علاقة لمحمد مرسي باحتلال حلايب كما لا علاقة له بنظام الحكم السابق، لكن أبو شامة لم يفرق بين الرجلين بشأن ملفات أخرى كمياه النيل واتفاقية الحريات الأربع- العمل والتنقل والتمليك والإقامة-، لأن كلاهما يراعي مصلحة بلاده عند النقاش بشأنها، غير أنه قال إن الحكومة السودانية بإمكانها أن تطلب من رصيفتها المصرية إخراج السودان من خانة الملف الأمني لدى مصر والتعامل معه دبلوماسيا كغيره من الدول، واستبعد رفض الحكومة الجديدة رفض ذلك الطلب حال حركته الخرطوم. غير أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري، الدكتور محمد الأمين العباس، نحا بالحديث في فوز الإسلاميين بحكم مصر منحا أوسع، معتبرا فوز مرسي دليلا قاطعا على تفوق التيار الإسلامي ليصبح أمرا واقعا وحقيقيا وهو ما يدعو إلى التفاؤل والفخر، بحسب العباس، الذي فضل ألا ينصب الحديث على العلاقات الثنائية والمصالح الفردية مشيرا إلى أن فوز مرسي إنجاز يؤكد أن الأحزاب الإسلامية بدت في طابع جديد وجعلت الإسلام واقعا عمليا دون أن يتهيبه الناس، لافتا إلي فوز التيارات الإسلامية في الدول ذات القوة التنظيمية والعسكرية كمصر والجزائر وتونس وتركيا الأمر الذي يدلل علي قوة هذه التيارات الإسلامية ورأى الدكتور العباس أنه من الذكاء أن يعمل الناس لأجل خلق تكتلات كبيرة ذات قوة وقدرة كالاتحاد الأوروبي أن يكون هناك اتحاد إسلامي كبير بدلا من الحديث عن المصالح الفردية. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 25/6/2012م