قالت أحزاب المعارضة السودانية -الاربعاء الماضي- إنها تمكنت من التوقيع على ما أسمتها (وثيقة البديل الديمقراطي) . الوثيقة التى إستغرق إعدادها والاتفاق حولها زمناً طويلاً كان حافلاً بالخلافات والمشادات السياسية المتبادلة لم تأت - فى مجملها - بجديد فقد إجترّت ذات العبارات المحفوظة فيما يخص الإعلان الدستوري، والفترة الانتقالية، والتظاهر والإضراب السياسي وسلسلة مطولة من الجُمل الإنشائية المعروفة التى قل ما خلت منها أدبيات المعارضة السودانية ذات التاريخ الطويل من الإخفاقات والخلافات والتخفّي خلف النظر بعيداً جداً عن الجد والعمل. وربما لهذا السبب لم يحتفي أحد من جموع المواطنين السودانيين -الحافظين عن ظهر قلب- لطبيعة تركيبة هذه القوى الحزبية المتشاكسة بالوثيقة ولم يأخذ بها أحداً مأخذ الجد والاهتمام. غير أن كل هذا لا يحول بيننا وطرح الأسئلة، ولعل السؤال الأهم والمحوري فى هذا الصدد هو إذا كانت الوثيقة تتحدث عن بديل ديمقراطي سعياً لتغيير نظام حكم فاشل كما تدّعي قوى المعارضة، لماذ إذن لا تنتظر وتعد نفسها إعداداً جيداً للسباق الانتخابي المقبل فى الدولة المقبلة؟ فقد إرتضت قوى المعارضة المنافسة الانتخابية وخاضت على هذا الأساس الانتخابات العامة التى جرت فى أبريل 2010 بكافة مستوياتها، فما الذى إستجدَّ الآن؟ قد يقول قائل منهم إن الانتخابات الماضية تلك كانت مزوّرة ولا يعترفون بها. حسناً، لقد مضت على تلك الانتخابات حتى الآن أكثر من عامين وصرنا فى منتصف دورة الحكم وأمامنا أقل من عامين للشروع فى السباق الجديد، ما الذى فعلته قوى المعارضة لإبطال نتيجة الانتخابات تلك؟ هل استطاعت تعبئة الشارع السوداني وإستمالته لجانبها ضد السلطة الحاكمة؟ بالطبع لا ؛ هل استطاعت القيام بإعتصام أو إضراب سياسي هزّ أركان السلطة ؟ دون شك لا. هل توسلت بالوسائل القانونية المكفولة للحصول على حكم قضائي بعدم صحة تلك الانتخابات؟ كل هذا لم يحدث والغريب فى هذا الصدد، ان الانتخابات العامة التى جرت فى أبريل 2010 شملت حينها إنتخابات دولة جنوب السودان، قبل الانفصال، وكانت قوي المعارضة ولا تزال تعترف بشرعية السلطة الجنوبية الحاكمة فى دولة الجنوب دون أن تزعم –ولو على إستحياء– أنها كانت نتاجاً لذات الانتخابات . لكل ذلك فإن إرهاق القوى لنفسها المنهكة أصلاً ببديل ديمقراطي، ووثائق وتصوُّرات لمستقبل بعيد المنال، هو إرهاق بغير مقتضي وكان ولا يزال الأجدي منه والأنفع، أن تعد هذه القوى الحزبية نفسها إعداداً جيداً مبكراً وعلى نحو إستراتيجي راسخ للدورة الانتخابية المقبلة وهى بحسابات العمل السياسي ليست بعيدة ولعلنا لا نضرب مثالاً مختلفاً لو قلنا، إن مونديال كرة القدم القادم المقرر إقامته فى دولة قطر فى العام 2020 يجري الإعداد له منذ الآن، لوضع كل أمر فى نصابه، وعدم ترك أىّ شيء للمصادفات، ومن باب أولي أن تلتفت هذه الاحزاب (المقعّدة والمتشرذمة) لنفسها ولتنظيمها الداخلي وتعيد بناء نفسها بناءاً حقيقياً قوياً تواجه به خصومها فى الإستحقاق الانتخابي القادم. هناك ايضاً أمر غريب ورد فى الوثيقة يتحدث عن عدم استغلال الدين فى العمل السياسي! وجه الغرابة هنا أن تحالف المعارضة يضم أحزاباً يسارية، لا مكان للدين فيها، ولا يقع ضمن أدبياتها, هنالك فى ذات الوقت أحزاباً أخري مبرر وجودها كأحزاب سياسية هو الزعامة القائمة على الدين (الأمة القومي والشعبي) فيا تري كيف ستعالج هذه النقطة الشائكة لمتحالفين يسعون لإسقاط سلطة حاكمة؟ وأخيراً فإن الوثيقة -لسوء الحظ- جاءت بعد أن فشلت على الأرض رهانات قوى المعارضة بخروج الشارع السوداني لإسقاط الحكومة القائمة، ولعلنا لا نغالي إن قلنا أن الفرصة (إن وُجدت) فقد فاتت تماماً بعد أن تخطي الأمر مرحلة الصدمة الأولي، وليس من المأمول – لا على المدي القريب ولا على المدي البعيد – أن يعود الشارع ليحقق لقوى المعارضة السودانية ما تصبو إليه! الواقع ان ما بات يتبلور فى ذهن المواطنين السودانيين أن قوي المعارضة هى التى فى حاجة الى بديل، قبل أن يكون نظام الحكم القائم هو الذى فى حاجة الى بديل!