فاجعة أخرى جعلت الخرطوم أمس تلوذ بصمت القبور، ربما ألماً أو تحسباً والالتفات بحثاً عن تلك اللعنة التي أصابت أبناء الوطن الواحد، ليسفك بعضهم دم بعض.. الخرطوم فقدت مساء أمس إبراهيم بلندية رئيس مجلس تشريعي ولاية جنوب كردفان، إثر حادثة اغتيال استهدفت موكبه بمنطقة كتن شرق الكرقل على طريق كادوقلي – الدلنج، بعد مغادرته (كادقلي) في الحادية عشرة ظهراً، مرتدياً على غير عادته الزى العسكري.. قتل الرجل وفي تضحه كان الهدف آخرين ربما يمثلون شعب ولاية تسمي عرفاً بالبرلمان، لولاية قدر لها إن تكون مستصغر الشرر.. قتل الرجل والغدر يحصد إلي جواره سائق عربته موسي عطية وحرسه الشخصي علاء الدين وابن عمه يوسف مكين وداؤؤد قرب ود. فيصل بشير وزير الزراعة بالولاية، ولا يزال الغدر مستمراً. بلندية رئيس المجلس التشريعي للولاية المكلومة انضم للمؤتمر الوطني بحسب سيرته بعد توقيع اتفاقية السلام 2005م بعد أن قضي قرابة السنوات الثماني عضواً بالمكتب السياسي للحركة الشعبية، ليتم تعينه آنذاك رئيساً للمجلس، عقب الانتخابات الأخيرة تمت إعادة انتخابه رئيساً لتشرعي جنوب كردفان.. بلندية لم يكن غريباً على الولاية. وطبقاً لمقربين منه أسهم ذلك في تسهيل الكثير من الأمور عليه وذللت صعوبات إدارته للمجلس، فهو ينتمي ل(كادقلي) القبيلة التي تسمت بها حاضر الولاية، كما أنه من سكان كادقلي نفسها، الرجل لم يكن لنفسه فقط بل ولأسرته التي ارتحل جلها إلي خارج السودان بحكم انتسابهم للحركة الشعبية. وطبقاً للمراقبين فإن بلندية تعرض في وقت سابق لمحاولة اغتيال تزامنت والضربة الأولي للولاية، إلا انه نجا منها، وهو ما يشير لانطلاق شرارة ظاهرة الاغتيالات السياسية في أوساط الناشطين سياسياً بعد أن كانت حصراً على ميادين العمل العسكري، ولا تزال محاولة اغتيال مكي بلايل رئيس حزب العدالة مائلة في الأذهان، بالإضافة لما تناقل وصنف كشائعة عن محاولات اغتيال استهدفت شخص والي الولاية مولانا أحمد هارون. إذا .. الاغتيال السياسي، بعد أن كان ظاهرة لا تعرفها شوارع الخرطوم التي تتناحر صباحاً وتتسامر ليلاً، بحكم إن السياسة نشاط يمارسه الكثيرون في ظل أصل الانتماء للأرض وللشعب وللمجتمع السوداني بمسلماته وقيمه التي لا يدخل فيها الاختلاف حد الدم.. يعضد ذلك عدم وجود رصيد سابق لعمليات الاغتيالات في التاريخ السياسي للبلاد.. كثيرون يرون أن غياب مثل تلك العمليات في التاريخ الوطني لا يعني أنه لن يحدث مستقبلاً، ويرجعها البعض للتطرف في العمل السياسي وغياب عمليات الحوار والجدل واستشراء حالة من اليأس السياسي لدي الأطراف المتسببة فيها، إلا أن ذلك في تقديرهم لا يعد مبرراً بقدر ما انه يشير لتدني مستوي الوعي وانهيار القيم خصوصاً قيم الحوار. ويري المحلل السياسي د. مهدي دهب أن ذلك إن دل فإنه يدل على عدم القدرة على قراءة خطورة الفعل لأن الطرف الآخر يمكن أن يرد، بالتالي يصبح المسرح السياسي بركة دماء كبيرة.. بينما توقع خبير اجتماعي مقرب من دوائر الحزب الحاكم أن يصبح الاغتيال ثقافة سياسية وواحدة من أدوات العمل السياسي نسبة لانفتاح القوى السياسية السودانية على الخارج وتحديداً الحركة الشعبية التي تستلهم مشاريعها من بيئة وواقع يختلف عن الواقع السوداني، مدللاً على محاولة الحركة الشعبية التماهي في نموذج المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي الذي يتزعمه نيلسون مانديلا، بيد انه استدرك بقوله (قيم الشارع السوداني وتصالحه وتساميه، يجعل مثل تلك الأدوات في تصفية الخصوم أمراً سلبياً ولا يشكل إضافة للطرف القائم به، فحياة الإنسان أهم من أية سياسة وأكبر من أي اختلاف). ناشطون معارضون أعلنوا رفضهم للأسلوب منددين به، غير أنهم يرون أن الوطني لم يجعل أمام سياسي المناطق الأقل وعياً خياراً، مستدلين على ذلك بتزايد العنف السياسي في مناطق ضعف العمل المدني بالبلاد، وهو ما أكده د. دهب بقوله (ضعف العمل المدني والسياسي في مناطق الهامش ذات الطبيعة القاسية يسهم بشكل أو بأخر في تفشي الظاهرة، لكن ذلك لا يعني انتشارها أو تحولها لأداة سياسية، والدليل أن طيلة ثلاثة وعشرين عاماً من عمر الحكومة الحالية لم تقم المعارضة بمثل ذلك السلوك، ما يعني أنها تزامنت ودخول الحركات المسلحة لساحة الفعل السياسي، وهو ما يضاعف المسؤولية الملقاة على مؤسسات نزع السلاح والدمج وإعادة التأهيل، بالإضافة لمؤسسات المجتمع المدني السياسية وغير السياسية التي من شأنها زيادة الوعي بأهمية الحوار والتعامل المدني السلمي). نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 7/7/2012م