الذاكرة العامة للشعوب تختزن أياماً للانتعاش وللانتكاس، وتبقي بينهما أيام بيضاء وأخرى سوداء إن نسيناها يجب علينا سجود السهو! حينما دخل 9 يوليو الذاكرة السودانية قبل سبعة أعوام بداية لعمل لآليات تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، لم يكن سوى عيد للسلام تتنازعه رؤيتان، رؤية المؤتمر الوطني التي ترى عيد السلام 9 يناير يوم الاتفاقية، ورؤية الحركة الشعبية التي تراه 9 يوليو يوم بداية تنفيذ الاتفاق ... فعاش 9 يوليو قضية عالقة لذلك لم تقرع فيه أجراس الكنائس ولا أجراس الحرية! 9 يناير من العام الذي مضي كان يوم الاستفتاء الذي أنجب 9 يوليو ... في 9 يناير يوم الاستفتاء هدأت أنفاس الخرطوم في ذلك اليوم كما لم تهدأ من قبل، ولم يصب أمنها بخدش ... وفي 9 يوليو رفع الجنوبيون علم دولتهم الجديدة ورفع السودانيون علم دولتهم القديمة! يمكنك أن ترى 9 يوليو يوم استقلال الجنوب الذي ضمته شهوة البحث عن منابع النيل وآلة الفتح التركي والبريطاني لحدود السودان .. لذلك ما حدث في 9 يوليو الماضي تصحيح لأوضاع ارتكبها الانجليز والأتراك فكلفت السودان حروباً موغلة ومفاوضات لا تنتهي إلا لتبدأ... كان الجنوب أفدح الفواتير حتى بعد أن انتج نفطاً، إذ فقد الاقتصاد السوداني ملامحه بعد انسحاب النفط فلم يعد اقتصاداً نفطياً ولا زراعياً ولا اقتصاداً ذهبياً! ويمكنك أن تري ما حدث فيي 9 يوليو انفصالاً سعي إليه الجنوب قبل استقلال السودان، فحارب لأجله حتي اضطر لارتداء ملابس تنكرية للوحدة، فلما واتته الفرصة انسحب بشعبه وأرضه وفقره وآباره وحمي مستنقعاته وعمي أنهاره! في كل 9 يوليو يجب أن نعي أن أقدار البلدين بقضاياها العالقة هي من صناعتنا، أما أقدار الغد فليست من صناعتنا، فهي من صناعة الأجيال القادمة هنا وهناك ... تركنا على ارض الجنوب آثار أقدامنا المدنية مثلما تركنا آثار أحذيتنا العسكرية التي سارت عليها من أجل الوحدة ... لكننا تركنا في تربة الجنوب عظاماً آدمية صارت بعضاً من التركيبة البيولوجية لها، والتربة دائماً هي التي تصنع الغد!! نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 9/7/2012م