لا يدري أحد على وجه التحديد طبيعة الأبعاد الخارجية ومداها فيما يخص الأوضاع فى جنوب كردفان والنيل الازرق. من المفروغ منه أن هنالك أبعاد أجنبية خطيرة للغاية فى هذه الملفات الشائكة، يكفي أن نعلم ان ما يسمي بالجبهة الثورية التى يشكل قطاع الشمال عصبها الرئيسي تخطط منذ أشهر عبر جلب المال الأجنبي من فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة لضرب الدولة السودانية بكاملها؟ وتشير كافة محاضر الاجتماعات التى تمكنت الثورية من عقدها حتى الآن سواء فى كمبالا أو فى جوبا الى ان الهدف الأساس من كل هذا الحراك، إفراغ الدولة السودانية من كافة مكوناتها السياسية – حاكمة أو معارضة – من كل القادة والكوادر السياسية الموجودة حالياً لصالح قادة ذوي سحنات وثقافات عنصرية تحت ذرائع المهمَّشين وسكان الأطراف المظلومين سياسياً. هنالك فى الواقع عقدة رئيسة فيما يجري، أغلب الظن أن (سوداناً مختلفاً) يجري التخطيط له عماده الذين تتشكّل منهم ما يسمي بالجبهة الثورية. ولهذا فإن محاولات إيجاد حلول سلمية وسياسية عبر التفاوض تبدو أشبه بمحاولات تسهيل مهمّة هؤلاء ليحققوا أهدافهم دون إطلاق طلقة واحدة مسندِين كل جهودهم للدولة الجنوبية وإسرائيل والولايات المتحدة, وإذا كانت الحكومة السودانية واعية لهذه الحقيقة المفجعة فإن ما يُؤسف له بحق فى هذا الصدد ان قوى المعارضة السودانية – مع كونها ضحية محتملة – إلاّ أنها سادرة فى غيِّها وغير مدركة لمخاطر ما يحدق بها من مخاطر. وعلى ذلك فإن المطلوب الآن -لصيانة السياج الوطني- ليس فقط وقوف الجيش السوداني بإعتباره عماد الأمن القومي السوداني ضد هذه الجبهة الثورية ومَن وراءها؛ ولكن فى ذات الوقت تحلِّي كافة المكونات السياسية السودانية الموجودة على الساحة بالوعي الإيجابي الكافي لأنّ كل شيء بات واضحاً وجليّاً كما الشمس فى رابعة النهار. ولو أن قوى المعارضة السودانية فقط ما تزال تحلم بتحالف سياسي محترم مع مكونات ما يسمي بالثورية بكل إرتباطاتها الخارجية أملاً فى إزاحة السلطة الحاكمة والحلول محلها، فإن هذا فى حد ذاته فى الواقع أول أبواب الجحيم التى سوف تندفع إليه قوى المعارضة ولن تدرك كارثيته إلا بعد فوات الأوان. إن أحداً لا ينكر أن هنالك أزمة فى جنوب كردفان والنيل الازرق ولكن فهم طبيعة المشكلة هو دون شك نصف الحل، بل ربما كان الحل كله. فأزمة المنطقتين لا تعدو كونها أزمة دولة جنوبية مجاورة تصرّ على عدم فك إرتباطها بمكونات سياسية مسجلة داخل الدولة الأم! الارتباط كان من الممكن فهمه لو كان فى سياق تعاطف سياسي أو حنين وطني جراء عملية الانفصال؛ للأسف الشديد الارتباط لأهداف خاصة بالمجموعة الحاكمة في دولة جنوب السودان، وهي بدروها وكيل (من الباطن) لقوى خارجية أخري، أى أنّ الفائدة النهائية تصب فى صالح قوى أخري هدفها الأساسي إبتلاع السودان وموارد السودان الهائلة دفعة واحدة. كل هذه ينبغي أن تشكل عموداً فقرياً فى قراءة وتحليل الواقع فى جنوب كردفان والنيل الازرق قبل الخوض فى أىّ مفاوضات ضررها أكبر من نفعها!