الخفوت السياسي المتقطع الذي لازم رئيس حزب الأمة «الإصلاح والتجديد» السابق مبارك الفاضل منذ إعلانه حل حزبه وعودته للاندماج في صفوف الأمة القومي في فبراير من العام الماضي، تبدد على نحو جهير، ليس بيد الرجل نفسه ولكن بيد ابن عمه ورئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، الذي صوَّب هجوماً هو الأعنف من نوعه على الفاضل منذ إعلان الوحدة بين الحزبين، وذلك من منصة صحيفة «الشرق الأوسط»، متهماً إياه بالسعي لإحداث انشقاق جديد في الحزب، لصالح دولة أجنبية، وأنه يسير في خط مقاوم لخط الحزب، وأن ما فعله يصنف اختراقاً ونشاطاً تخريبياً، مخبراً أن لجنة الضبط والمتابعة ستبت في عضويته، وهذا العيار الثقيل من الهجوم المهدوي على الفاضل جاء على نحو مباغت، ولكن المعلوم دون شك أن علاقة الرجلين اتسمت في بعض الأوقات بالعداء الذي يرقى لمرتبة الفجور في الخصومة السياسية، فليس من السهولة بمكان أن يتجاوز المهدي للفاضل انشقاقه عن الحزب، بسبب اختلافهما بشأن المشاركة في الحكومة عقب عودة الحزب التي سماها المهدي «تفلحون، عبر اتفاق جيبوتي بين الحزب والحكومة، وانضمام مبارك للحكومة لم يعمر طويلا، إذ خرج منها في عام 2005م، ومن أشد الحروب الإعلامية التي دارت بين المهدي والفاضل تلك التي تعلقت بضرب أمريكا مصنع الشفاء في عام 1998م، حيث اتهمه بالضلوع في التسويق والتخطيط لضرب المصنع. ومما تجدر الإشارة إليه أن الفاضل وقيادات حزبه ما لبثوا أن جأروا بشكواهم من التهميش في مؤسسات الحزب عقب عملية الاندماج، حتى أن مجموعة مقدرة من قيادات الإصلاح أعلنت خروجها من الحزب. واندماج الحزبين لم يحل دون ظهور خلافات الاثنين للعلن، ولعل أبرزها الانتقادات التي كالها الفاضل لانتساب نجل المهدي عبد الرحمن للحكومة مساعداً لرئيس الجمهورية، وقال إن انتساب نجل المهدي للقصر عربون صداقة، كما وصف الأمين العام للحزب آنذاك صديق إسماعيل بأنه مراسلة بين الوطني والصادق، خاصة أن صديق محسوب على التيار المؤيد للمشاركة في الحكومة، بينما تبدو مواقف الصادق رمادية اللون، لا هي في صف المعارضة قلباً وقالباً، ولا هي انحازت للمشاركة في الحكومة كلياً، وهذا النزاع البين والخفي كان له دوره في انعقاد اللجنة المركزية للحزب في مارس الماضي، الذي أطاح صديق إسماعيل من الأمانة العامة وجاء بإبراهيم الأمين الذي يميل إلى التيار الرافض للمشاركة في الحكومة، فقد راج أن للفاضل دوراً من وراء الكواليس في التصويت لإبراهيم، وعبر المركزية تم تسكين بعض قيادات حزب الفاضل المحلول، إلا أن عدم مشاركة الفاضل في المؤتمر حال دون تسنمه أي منصب في الحزب عبر الترشيح في المؤتمر. القيادي بحزب الأمة الفدرالي مدير مكتب مبارك الفاضل سابقاً صديق حسن مساعد، فسر حملة المهدي ضد مبارك بأنها معركة قديمة، فالجراح التي تسبب فيها الفاضل للمهدي بانشقاقه وتشكيله حزب «الإصلاح والتجديد»، لم تندمل بعد، حتى أن عودة مبارك للحزب تمت بعد ضغوط مُورست عليه، حتى لا يبدو كمن لا يرغب في الصلح والتسوية، ومن الأشياء التي تقلق المهدي بحسب مساعد تطلع الفاضل لزعامة الحزب، في الوقت الذي يتطلع فيه المهدي لتوريث أبنائه رئاسة الحزب، وتساعده في ذلك تركيبة الحزب وطائفة الأنصارالمؤيدة لمثل هذا الاتجاه. ومما تجدر الإشارة إليه أن تطلعات الفاضل تدعمها خبرات عملية من قبيل تقلده عدداً من الوزارات في الديمقراطية الثالثة، وكانت له مساعيه في ترميم علاقة حكومته المتوترة مع مصر، وهو الذي قاد المفاوضات مع شركة شيفرون الأمريكية التي انتهت بتوقيع اتفاق استخراج النفط، فضلاً عن علاقاته الخارجية التي مكنته من إنجاز تحالف مع رئيس الحركة الشعبية الراحل جون قرنق إبان خروج حزبه معارضاً للإنقاذ، فضلاً عن فتح مكاتب للحزب في أوروبا وبسؤاله عن مسوغات تصريحات المهدي النارية في حق الفاضل، أكد مساعد أن تلك الاتهامات تجيء في إطار معركة المهدي «المؤجلة» تجاه الفاضل، وأضاف أن المهدي وهو رئيس الحزب وإمام الأنصار كان من الممكن أن يتحدث بموضوعية، وأن يشكل لجنة تحقيق لتخرج بنتيجة محددة حول تبرئة أو إدانة الفاضل. وذهب إلى أن فصل آدم مادبو من مؤسسات الحزب في نفس التوقيت سيشرع في فتح عدة جبهات في مواجهة المهدي. ويبقى السؤال عن ماهية الدولة التي يعمل لصالحها الفاضل، وفي البال أن الأول اتهم الثاني ذات يوم بأنه ربيب الحركة الشعبية. ومما يذكر أن للفاضل علاقات قوية بقيادات دولة جنوب السودان، فضلاً عن استثماراته الواسعة فيها. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 28/8/2012م