بدا تهديد مؤتمر البجا بالإنسحاب من الحكومة السودانية حال عدم الاستجابة لطلبات قال إنها لم تتحقق وكأنه ضرب من المبالغة السياسية التى يصعب فهمها فى سياق سياسي عادي. إتفاقية شرق السودان الموقعة فى العام 2007 واحدة من أكثر الاتفاقيات السلمية السودانية التى حظيت بمعدل تنفيذ عالٍ للغاية. وكانت ولا تزال إتفاقية الشرق نموذجاً للإتفاقيات السلمية التى مضت بسلاسة واضحة، وشهد على إثرها الشرق - بولاياته الثلاث - القضارف وكسلا والبحر الاحمر، حراكاً تنموياً كبيراً بانَ أثره بسرعة حتى أن البحر الاحمر وحدها - كمثال عابر - أصبحت فى الآونة الأخيرة مثار إعجاب للجميع بسبب الجهد التنموي الكبير الذى تم هنالك وأحالها الى ولاية تقترب من منافسة العاصمة السودانية الخرطوم فى كل شيء. وقد كان الجهد المبذول سواء من جانب الحكومة المركزية وصندوق إعمار الشرق كبيراً هو الآخر بحيث تم الوفاء بما يجاوز ال90% مما هو مطلوب وفوق ذلك فقد قررت الحكومة السودانية - وإمعاناً فى الوفاء بإلتزاماتها - التمديد لصندوق إعمار الشرق – فوق ما نفّذه – لمدة 5 سنوات أخري لمتابعة المشروعات المطلوبة. كما أن مقدار الاستقرار الذى ظل ولا يزال ممتداً منذ العام 2007 وحتى الآن لم يأت إعتباطاً ولا عن طريق المصادفة. ولهذا فإن مجرد شعور أطراف الاتفاق فى الشرق بأن هنالك تقصير تنموي وإن كان شعوراً إيجابياً بإعتباره يرفع من سقف الطموح إلاّ أنه كان من المهم أن يقترن بالبحث عن أسباب حقيقية وجادة بغية معالجتها وليس الاندفاع لمحاولة الضغط - عبر التهديد بالانسحاب من الحكومة - إذ يتذكّر قادة مؤتمر البجا الذين كان مؤتمرهم الاخير محظوظاً بنسبة الحضور السياسي والضوء الاعلامي المؤثر فيه أن الحركة الشعبية وعلى ايام شراكتها السياسية قبل قيام الدولة الجنوبية جرّبت هذا الاسلوب (غير السياسي) وجمّدت نشاطها فى الحكومة لأشهر جراء خلافات نشبت بينها وبين شركائها فيها، وكانت النتيجة ان الحركة اضطرت للعودة الى الشراكة – بذات الباب الذى خرجت منه وبذات الثياب التى خرجت بها – فقط فاتها الكثير حينها مما كان من الممكن ان تستفيد منه. هذه واحدة من دروس التاريخ والممارسة السياسية جديرة بالوضع فى الاعتبار. من جانب آخر فإن المطالب التى قُدمت والمتعلقة ببعض المسائل الغير استراتيجية لا ترقي لمثل هذا الموقف، فقد زعم البعض ان الحكومة لم تفِ بإلتزاماتها حيال بعض الوظائف الممنوحة لمنسوبي جبهة الشرق! إن مثل هذه المسائل -على أهميتها - ولكنها لا تصل الى هذه الحِدة من المواقف والتلويح بالانسحاب! ولسنا هنا معنيين بوجود مؤتمر البجا ضمن منظومة السلطة الحاكمة من عدمه، فهذه تقديرات تخص الحزب وقادته، ولكن ما نحن معنيين به أن ما توفر للشرق جراء هذه الاتفاقية وما تحقق وما يُنتظر أن يتحقق لا يحتمِل مثل هذه المناورات والمواقف المتقاطعة مع آمال وتطلعات أهل الشرق، ولم يكن مؤتمر البجا موفّقاً فى تبنّيه هذا الموقف وهو يدرك أن أهل الشرق ليسوا جميعهم من منسوبيه!