فى حدود ما أمكن الكشف عنه حتى الآن من أسباب دعت المبعوث المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي فى دارفور المعروفة إختصاراً باليوناميد، إبراهيم قمباري للإستقالة من منصبه فإن الأمر يبدو مثيراً للقلق. فقد أشار قمباري – وفق مصادر عليمة فى نيويورك – الى وجود مصالح متقاطعة للدول الغربية فى تعاطيها مع تقارير البعثة المشتركة بشأن الاوضاع فى دارفور خاصة ما يخص تحركات الحركات الدارفورية المسلحة وما ظلت تخلفه من آثار سالبة على مجمل العملية السلمية في الاقليم. ولا نشك ان قمباري -كدبلوماسي محترف- حرص على إيراد عبارات دبلوماسية ولكنها تعطي الفهم المطلوب لطبيعة أسباب الاستقالة، ولهذا فإذا عملناعلى خلع الثوب الدبلوماسي لما أوردَ من عبارات فإن الأمر يبدو فى غاية الوضوح. الرجل يتحدث عن إهمال متعمَّد وتجاهل مقصود من قبل القوى الدولية – ولدواعي الدبلوماسية لم يشأ القول الأعضاء الدائمين فى مجلس الامن (الخمس الكبار) تجاه تقارير اليوناميد المتلاحقة بشأن التخريب الذى تمثله الحركات الدارفورية المسلحة برفضها غير المبرر والمتواصل للعملية السلمية وفى ذات الوقت عملياتها العسكرية التى حادت عن العمليات العسكرية لتصبح نشاطاً ذي طبيعة إجرامية، يتنوَّع ما بين عمليات النهب والاغتيالات ولم تستثني فى ذلك – لسخريات القدر – حتى البعثة المشتركة نفسها! طوال عامين فيما يبدو ظل الرجل يخط تقريره بعناية وإحصاءات وحسابات ويضعها على المنضدة الدولية ثم يكون حصاده هشيماً. من الطبيعي أن يشعر الرجل بإهانة بعثته فضلاً عن إهانته هو شخصياً طالما كان هو المسئول عن البعثة ميدانياً! مصدر القلق هنا لقمباري أنه وعلى قدر ما حققته البعثة من نجاحات فى مهمّتها على الارض فى دارفور، على قدر ما تتعمّد جهات دولية على إفشالها. والسبب وراء عملية الإفشال المتعمدة هذه وفقاً لما أشار اليه قمباري هو ما أسماها (تضارب الاجندة) وتقاطع المصالح بين هذه القوى الغربية، واذا ما مضينا أكثر فى هذا المضمار الشائك، فإن من المؤكد ان قمباري توفرت لديه أدلة كافية على ان هناك – من بين الدول الكبري فى مجلس الامن – من يستصلح الأرض السياسية في دارفور ويستثمر سياسياً فيها لمصلحته الخاصة، لا لمصلحة السلم والأمن الدوليين. وفى الواقع هى هذه النقطة الخطيرة التى لامس فيها قمباري طبيعة الأزمة فى إقليم دارفور، فالأزمة منذ بداياتهاها كانت مصنوعة ومفتعلة فى غالبها، وتكفلت جهات دولية عديدة بإشعال نيرانها الى أقصي مدي بغية الاستفادة القصوي منها. وبالنسبة لنا – ومع أننا فى الواقع ندرك طرفاً من هذه الحقائق إلاّ أن ما يثير قلقنا بحق، أن قمباري بهذه الاستقالة أعطي تقريراً موجزاً مهمّاً للغاية فحواه ان استجلاب قوات دولية الى دارفور لم يكن من الأساس فكرة سديدة وبريئة هدفها المحافظة على أمن الاقليم أو توفير حماية لمدنيين أو وجود مذابح وإبادة جماعية يُراد وقفها ووضع حد لها. إذ من المستحيل لو كان ذلك هو الهدف، أن تتضارب أجندة الدول الغربية حولها، وبالتالي هنالك إصرار غير مفهوم وغير مبرر على إعادة الاوضاع الى سابق عهدها، وهو ما بدأنا نلمسه فى تحركات بعض عصابات الحركات المسلحة فى القيام بعمليات نهب وإغتيالات بوتيرة أكبر كان آخرها محاولة إغتيال معتمد منطقة كتم بشمال دارفور والتى سقط فيها عدد من حراسه. فى مثل هذه الحوادث هناك أيدي استخبارية أجنبية عابثة تجيد التخطيط للجناة ثم تغيب عن مسرح الحادث، خاصة اذا وضعنا فى الاعتبار عمليات تتبّع الهدف وملاحقته كظله دون أن يشعر؛ فهي تستلزم أجهزة ومعدات حديثة من المستحيل ان تتوفر للعصابات الدارفورية وحدها. وعلى كلٍ فإن استقالة قمباري وحيثياتها وإن لم يتهمّ بها الخمس الكبار فى مجلس الأمن، هى دون شك مثيرة للإهتمام وخطيرة الى حد كبير للغاية!