بلغت الخلافات ذروتها داخل حركة العدل والمساواة الدارفورية بإقالة زعيمها جبريل ابراهيم وتكوين مجلس عسكري إنتقالي برئاسة محمد بشير أحمد. وبحسب بيان مطول صدر خصيصاً فى هذا الصدد - الثلاثاء الماضي - فإن قيادات بازرة بالحركة قالت إنها عقدت مؤتمراً عاماً بمنطقة (فوراوية) بولاية شمال دارفور فى الفترة من الثامن وحتى التاسع من سبتمبر الجاري قررت من خلاله إقالة زعيم الحركة جبريل ابراهيم وتشكيل مجلس قيادي إنتقالي. وكان الأمر المثير للإنتباه فى القرارات الطارئة التى صدرت عن المؤتمر العام، الإبقاء على القائد العام (بخيت عبدالله عبد الكريم) الذى سبق وأن أُقيل من منصبه قبل أسابيع. المؤتمر قرر أيضاً عقد مؤتمر عام خلال 45 يوماً لإختيار زعيم بديل وإنتخاب مؤسسات الحركة. وفى الحيثيات التى تضمنها البيان، فإن أسباب الاجراءات والقرارت مردّها الى ما أسماه البيان تراكم الأخطاء من جانب جبريل ابراهيم وسيطرة مجموعة من القادة على كافة مقاليد الأمور فى الحركة بما فى ذلك الأموال. من جانبه قلل جبريل ابراهيم من الخطوة وقال على لسان الناطق بإسم الحركة (جبريل بلال) إن ما جري يعتبر خرقاً للنظام الأساسي ودستور ولوائح الحركة ولا قيمة له، ووالواقع ان ما جري للعدل والمساواة يعتبر بكل المقاييس زلزالاً سياسياً هائلاً من المستحيل معالجته، وقد بات من المحتم - وتماماً كما جري من قبل ما بين عبد الواحد ومناوي فى العام 2005 - أن تنقسم الحركة فى أحسن الاحوال الى قسمين، إذ يمكن القول ان مؤتمر حسكنيتة الذى كان الحد الفاصل بين مناوي وعبد الواحد منذ ذلك الحين وحتى الآن، يعادل بالنسبة للعدل والمساواة مؤتمر فوراوية، ولعل من الغريب أن يكون كلا المؤتمرَين بولاية شمال دارفور . واذا أردنا ان نتلمّس الاوضاع داخل العدل والمساواة عقب هذه المفاصلة فى حدود ما هو متوفر الآن من معلومات فإننا نجد أولاً: أن الحادثة صحيحة مائة بالمائة، فقد إنعقد المؤتمر بالفعل وإتخذ القرارت التى إتخذها وأبرزها إقالة زعيم الحركة جبريل ابراهيم. الدليل الأكثر سطوعاً على صحة ما جري هو إقرار جبريل ابراهيم على لسان ناطقه الرسمي (جبريل بلال) بحدوث الحادثة مع التقليل من أثرها وإعتبارها مخالفة للوائح ودستور الحركة. هذا الاقرار مهم للغاية قطعاً لأيّ تدارُك لاحق للقول بأن ما جري كان مجرد غضبة عابرة وأن الحركة متماسكة، وهو مسلك مألوف فى القوى المسلحة وبعض القوى السياسية التى لا تجد ما تعلِّق به فى مثل هذه الحالات سوي تعليق الأمر على شماعة الاشاعات والأكاذيب. إذن ما حدث لم يعد موضع جدال. الأمر الثاني ان هناك مؤتمراً عاماً عادياً يعقد خلال 45 يوم لانتخاب مؤسسات الحركة بحسب البيان المشار اليه، وهذا معناه ان ما جري، جري فى إطار مؤتمر استثنائي وأن المؤتمِرين قد أعدوا العدة جيداً للمواجهة سواء من الآن حتى موعد إنعقاد المؤتمر العام المرتقب، أو حتى عند إنعقاد المؤتمر نفسه خلال ال45 يوماً، إذ ليس من السهل الإعلان عن عقد مؤتمر -بمثل هذه الأهمية والخطورة- إذا لم يكن الذين قرروا عقده واثقين ولديهم القدرة الكافية لعقده وإنجاحه. وهذا فى الواقع يشير - بوضوح - الى أنّ زعيم الحركة قد فقد السيطرة على حركته تماماً ولم يعد أمامه سوي الاكتفاء بمن تبقوا معه للإصرار على وجوده بما يفضي الي تكوين فصيل آخر. الأمر الثالث، وبغض النظر عن الآثار السالبة التى إنعكست على الحركة من ضعف وخلافات وإحتمال وقوع مواجهات مسلحة، فإن هذه بداية لمسلسل مطوَّل من الانشغال الداخلي للحركة لن يتيح لها على المدي القريب الاستمرار فى عملياتها العسكرية، وهو ما سوف يفتح الباب واسعاً لمغيب شمس الحركة نهائياً فى المشهد الدارفوري بفرضية الفناء الذاتي. وعلى كلٍ، هنالك أحداث فى الطريق ربما تعجِّل بهذا الفناء الرهيب اذا حاولت مجموعة جبريل الوقوف ضد المجلس العسكري الجديد لإنتزاع القيادة إستباقاً للمؤتمر العام المنتظر، وحينها تكون الوفاة قد حدثت حتى قبل الوقت الذى كان سيتسبّب فيه المرض المهلِك العضال .