الجمعية العامة للأمم المتحدة في حفاظها على دورات الانعقاد السنوي كل ثالث ثلاثاء من سبتمبر/أيلول، تحافظ على دورها المزمن كمتنفس لمن لا حول لهم ولا قوة، فيتساوى فيها من حيث الوقوف على المنصة مندوب ميكرونيزيا مع مندوب الصين . المتحدثون من الدول المغلوب على أمرها ومن المناطق التي لم يعترف بها كدول يفضفضون عن همومهم ويغادرونها مثلما دخلوها، باستثناء بعض اللقاءات البروتوكولية والصور التذكارية . ممثلو الدول النافذة والمسيطرة تجدها فرصة سانحة لاستغلال منبر مهم يمنحها فرصة التغطية على عوراتها الاستعمارية التي لن تتغير إلا إذا أصبح ذيل الكلب مستقيماً وتحوّل الماء إلى لبن رائب . هي أيضاً فرصة لوسائل الإعلام لاستعراض عضلاتها وقدرات مراسليها على إحداث الاختراقات وانتزاع كلمات عابرة من هذا المسؤول أو ذاك، وتنتقل لمؤسساتهم الإعلامية على شكل سبق صحفي يترافق مع تقارير تدمج بين اللحظة والأرشيف الذي يستعرض أبرز ما جرى في دورات سابقة من طرائف وغرائب، لقاءات وكواليس، صفقات ومؤامرات، أوامر وضغوط، وانحياز ونفاق . الصحافة نشيطة أكثر من المجتمعين أنفسهم، فهي فرصتها لكي تعيد للأذهان فترات الحرب الباردة بقطبيها الاتحاد السوفييتي والولاياتالمتحدة التي تتجدد مع استعادة روسيا تقاليد الأب السوفييتي . الصحفيون ينبشون في الأرشيف ليأتوا بنماذج طريفة في شكلها، عميقة في مضمونها، فحذاء خروتشوف لم يكن من أجل عرض مقاسه أو نوع جلده، وخطابات شافيز الساخرة من أمريكا ورئيسها السابق جورج بوش الابن، لم تكن من أجل التندّر الشخصي والتقليل من هيبة دولة، بل من أجل الاحتجاج على سياستها . ليس هناك حضور للعرب، فهم ممثلون بعدد دولهم . لم يكن غياب معمر القذافي هو الوحيد، فالعرب حاضرون غائبون في أي محفل أو مناسبة، وإذا كان لهم أن سجّلوا حضوراً ونشاطاً في الأممالمتحدة فهو مقتصر على نشر غسيلهم الوسخ على حبال الخطابات المنمّقة والمنسّق بشأنها جيداً مع أولى الأمر النافذين، وبخاصة تلك الدولة التي لم يعد مجدياً تكرار ذكرها، لكن الحرف الأول من اسمها هو أمريكا . القضية الفلسطينية حضرت محمّلة بذكريات 1974 عندما جاء الراحل ياسر عرفات ببندقية الثائر وغصن الزيتون، وحذّر ممثلي العالم بألا يسقطوا غصن الزيتون من يده، لكنّهم بعد ذلك اسقطوه فعلاً . في هذه الدورة تجلى الحضور الفلسطيني على شكل اقتراح معدّل يطالب بالاعتراف بدولة غير عضو في الأممالمتحدة، ذلك أن المطالبة بدولة كاملة العضوية أحبطت في الدورة السابقة بطلب من »إسرائيل« ترجمته الولاياتالمتحدة إلى ضغوط هائلة في المنظمة الدولية ومجلس الأمن بعد ذلك . سننتظر مجيء الدورة الجديدة في الثلاثاء الثالثة من سبتمبر العام المقبل فلعل مشروع الاقتراح الفلسطيني ما بعد التعديل الثاني سيصبح الاعتراف ب »شيء ما فيه حروف الفاء واللام والسين« . ثنائي الظل الثقيل والدم الأثقل، بنيامين نتنياهو وأفيغدور لبيرمان غضبا كثيراً من خطاب محمود عباس واتهماه بالتحريض على »إسرائيل«، ويبدو أنهما فضّلا الاعتدال قليلاً ولم يتهماه باللاسامية والإرهاب، لكن ليبرمان هدّد بتدفيعه ثمن المطالبة بدولة غير عضو، ولم يوضّح ما هو هذا الثمن، أو إن كان يتضمن حياته مثلاً على طريقة »التخلّص« من الراحل عرفات . لو عدنا لرصد إنجازات الأممالمتحدة، سنجد رصيدها منها يساوي صفراً، وذلك لأن قرارات هذه المؤسسة التي تمثل كل دول العالم غير ملزمة، أي أنها »شيء ما على بلاط« . ورغم انه كان يمكن للأمم المتحدة أن تكون برلماناً تشريعياً حقيقياً لشعوب العالم، إلا أن السلطة التنفيذية أعطيت لمجلس الأمن الذي يمثّل الأقوياء، ليكون أعلى هيئة دكتاتورية في العالم. المصدر: الخليج 3/10/2012م