ربما أراد قادة التمرد فى جنوب كردفان والنيل الازرق فعل شيء، أيّ شيء قبل مغرب شمس أمسهم الذى مضي. أو أن مبارك الفاضل الذى إرتبط عمله السياسي – منذ تسعينات القرن المنصرم – بالصواريخ أراد هو الآخر أن يعطي المعارضة السودانية هنا فى الخرطوم (تقريراً موجزاً) عن مضمون زيارته الأخيرة الى واشنطن، أو أن بعض قادة المعارضة السودانية هنا فى الخرطوم إرتجّت كل جنباتهم جراء طيّ صفحة الخلاف بين الخرطوموجوبا ولم تعد لديهم أية أوراق صالحة للعب، خاصة وأن عدم استقرار علاقات الدولتين هو البحيرة التى كانوا يصطادون في مياهها منذ سنوات خلت والآن البحيرة بسبيلها الى أن تصفوا وتنساب مياهها فى عذوبة وسلاسة. هنالك العديد فى الواقع من قادة المعارضة السودانية الذين يتمنون الخلاص من خصومهم فى السلطة بأيِّ شيء، ضربة صاروخ، أو دانة مدفع، أو قصف طائرة. ضاقوا ذرعاً بالحكومة، وهى تقوى فى كل يوم وتأخذ من عمرهم وأمنياتهم وطموحاتهم الكثير والكثير جداً. ولن نغالي -وعلينا أن نتحدث بكل صراحة- إن قلنا ان بعض قادة المعارضة السودانية لن يهمهم، بل قد يثلج صدروهم اذا تلقّي السودان ضربة عسكرية خارجية بأي شيء وفى أيّ موقع، ولهذا لن يكون أمراً جديداً أو مستغرباً ان يكونوا (على علم مسبق) أو تنسيق بأيّ درجة مع ما جري فى كادوقلي يوم الاثنين التاسع من اكتوبر 2012م. وحين نقول ذلك لا نتجنّى على أحد ولا نتّهِم أحداً جزافاً، فالصلات الحية بين العديد من قوى المعارضة السودانية وحملة السلاح ليست سراً، ووجود قادة من الصف الاول فى صفوف ما يسمي بالجبهة الثورية إنما هو عمل سياسي مغلف بعناية، إستخدم فيه أسلوب (التبرؤ) والتظاهر بألاّ صلة لهم به، بينما هم فى الواقع يبعثون بمناديب عنهم الى هناك أملاً فى أن يجدوا مستقبلاً جزء من (الكيكة) حال نضوجها وإستوائها! أما على صعيد جوبا فلا بأس هى الأخري من أن تطلق العنان لبعض غلاتها الموتورين فيها خاصة أولئك الذين لم يجدوا فى إتفاقية التعاون المشترك ما يصون مصالحهم الخاصة. جوبا ربما جاملت بعض أيتام القطاع والثورية، مجاملة أخيرة، أو منحتهم حق إلقاء (نظرة الوداع) خاصة وأن سياسة المفاجآت واحدة من أكثر تكتيكاتها المعروفة جرّبتها فى الميل 14 وفى هجليج كأبلغ دليل على فعل الشيء ونقيضه فى الوقت نفسه دون ان يطرف جفنها. إن مسئولية جوبا من ما جري فى كادوقلي من عدوان هى دون شك ظاهرة واضحة ولا مجال للتنصل منها ولكن يمكن ان نعذر جوبا إذ أنها – عملياً – لا تستطيع أن تدع أوراقها القديمة التى تتهيأ لإلقائها الآن على مكب النفايات، شاءت أم أبت. غير أن مجمل ما جاء به حدث إطلاق صواريخ الكاتيوشا على مدينة كادوقلي ان المتمردين ومهما كانت درجة قوتهم أو السند الذى يقف خلفهم ولو كان جزءاً منه يمتد الى واشنطن وإلى تل أبيب خسروا معركة المواجهة العسكرية تماماً وهم الآن يجربون وسائلاً أخري مستحدثة تقوم على إثارة الذعر وسط المدنيين وإخلاء المدن بشتي الوسائل حتى يتسع نطاق الأزمة؛ ويبدوا هذا الهدف ظاهراً جداً من خلال الوقائع التى جرت والتى تضرر منها فقط أضعف فئات المجتمع (النساء والاطفال)! إذ من الواضح ان المقصود هو رؤية افواج من النازحين واللاجئين ويحبذا لو أنشأت لهم معسكرات على غرار معسكرات دارفور الشهيرة لتتفاقم الأزمة الانسانية تفاقماً حاداً وتصبح عين المجتمع الدولي بأسره على المنطقة. إن من الواضح ان الهدف هو نقل المشهد من جوباوالخرطوم الى ولاية جنوب كردفان وتركيزه هناك ريثما يتكرر ذات الأمر فى ولاية النيل الازرق. لقد بدا وكأن جوبا تريد ان يختطّ قطاع الشمال – قبل فطامه – خطاً مستقلاً، يستغل فيه مرحلة الهدوء الحالية وقبل الشروع فى الترتيبات الأمنية لكي يوجد لنفسه موطئ قدم خاص وقائم بذاته حتى ( يتعلم المشي وحده) وترك (الثدي الجنوبي) ليأكل الطعام ويشرب وحده!ّ وبالطبع لأغراض إنجاز هذا العمل بالسرعة المطلوبة فإن من الضروري البحث عن أكثر الوسائل نجاعة وفاعلية، فتم التوافق على سياسة إطلاق الصواريخ السياسية!