يعتقد الكثير من المراقبين ان الذريعة التى تذرعت بها اسرائيل وقامت على أساسها بقصف مصنع اليرموك فى السودان هي بكل المقاييس ذريعة واهية، إذ من حيث منطق الأدلة والإثبات أن المصنع ينتج أسلحة لصالح جهة ما، إيران أو غيرها، فإن أحداً لا يمكن ان يتقبّل الفكرة لأن من المستحيل إثبات ان المواد المنتجة، والمواد الخام أو الأدوات المستخدمة فى المصنع مكتوبٌ عليها صنعت خصيصاً لصالح إيران أو حماس! فصناعة الأسلحة شأن فني بحت، وهو ميدان فسيح مفتوح تعلم الدولة العبرية على وجه الخصوص أنه مجال واسع ولا مجال فيه لمثل هذا الزعم. قد يقول البعض ان اسرائيل وفيما ترى أنه شأن يخص أمنها لا تكترث كثيراً بما يقنع الآخرين ولا تبحث عن أدلة عامة، يكفي انها تقتنع أو حتى تشك، غير أن الرد على مثل هذا المنطق هو أنّ من شأن مسايرته فتح الباب واسعاً فى الميدان الدولي لأعمال عسكرية مشابهة، فما أن يتشكك متشكك فى قيام دولة ما بصناعة سلاح لصالح دولة عدو لها، إلاّ ويهاجم تلك المنشأة ويدمرها، فالذي لم تحفل به اسرائيل وهى تساير هواجسها وغريزتها الكاذبة أنها ربما تصنع سوابقاً دولية مماثلة، والقانون الدولي فى جانب كبير منه قائم على السوابق، والتكرار فى المواقف والأفعال. وأما من حيث منطق التعاون والتعامل المفترض بين إيران والسودان، فهو أيضاً –فى هذه النقطة بالذات– مجافٍ للمنطق، فعلى إفتراض ان هناك تعاون (خفي) بين طهرانوالخرطوم لصناعة سلاح لصالح إيران أو أيّ طرف آخر، ما الذى يجعل ايران وهى التى تمتلك ما تمتلك من السلاح والتقنيات- ما تعلمه إسرائيل وما لا تعلمه - تلجأ الى السودان لتصنيع سلاح عادي؟ لو أنّ إسرائيل تريثت قليلاً وقلّبت الأمر جيداً لتردّدت فى خطوتها الطائشة هذه، فالمسافة شاسعة جداً بين الدولتين، ومخاطر الطريق، والنقل والمحافظة على السرية عسيرة إن لم تكن مستحيلة، فنحن نتحدث عن عشرات الآلاف من الأميال المكشوفة بين دولة فى عمق آسيا ودونها بحار، وأخري فى قلب افريقيا دونها بحار وصحاري. بل إن المرء ليعجب فيما اذا كانت حاجة إيران لتصنيع سلاح – من أيّ نوع كان – تصل الى درجة تصنيعه فى الخرطوم، حيث تدور نزاعات داخلية وحيث يشهد هذا البلد توترات فى دارفور وجنوب كردفان وفيه عملاء للموساد منذ أن إتضح ان العمليتين اللتين جرتا فى شرقه - حادثة السوناتا والبرادو - إنما جرتا بإرشاد عملاء للموساد فى السودان. ما من عاقل يمكن ان يراوده تفكير بقيام دولة مثل ايران بتكليف السودان بالقيام بهذه المهمة فى ظروف كهذه. وأما من حيث منطق العلاقات بين المكونات الاسلامية سواء فى طهران أو الخرطوم أو غزة أو أيّ عاصمة أخرى فى المحيط العربي والاسلامي، فإن من شأن خطوة كهذه أن تعزز، وبقوة من إمكانية نشوء حلف ضخم يجمع هذه المكونات لمجابهة اسرائيل. الخطأ الاسرائيلي القاتل فى مثل هذه الجرأة أنها أيقظت كافة المكونات الاسلامية والعربية لكي تبدأ - للتوّ - مشروعاً جديداً بإستراتيجية جدية وفاعلة لمواجهة عدوها اللدود. ولعل من سوء تقدير اسرائيل المتعجلة فى خطواتها دون حساب النتائج، أنها جمعت كل أعدائها من كافة رجاء العالم ليقفوا ضدها جراء الضربة التى وجهتها للخرطوم، فقد تبيّن لهم جميعاً – بلا إستثناء – أنهم معرّضون لذات الضربة لمجرد إشتباه اسرائيل فى قيامهم بصناعة سلاح قد يصل فى النهاية لأيدي المقاومة. سوف يتعيّن الآن، والآن فقط على عشرات دول المنطقة أن تستعد لحرب متصلة مع الدولة العبرية وهى احدي إرهاصات الحصار التاريخي المنتظر للدولة العبرية تمهيداً لفنائها المحتوم !