لنفترض – جدلاً – أن مصنع اليرموك للسلاح الذى قصفته اسرائيل قبل أيام له صلة بإيران، أو بأيّ مقاومة أو دولة تخشاها إسرائيل؛ هل يمكن للمنطق الاسرائيلي ان يصمد حيال مترتِبات عمل كهذا، ينقل ميدان المعركة من إيران الى الخرطوم؟ إذا ما إنتقلت الحرب من إيران الى الخرطوم مثلاً وفق أعمال الحرب الواضحة التى قامت بها اسرائيل بعدوانها السافر على السودان؛ هل يمكن أن تستند اسرائيل دولياً على أنها دخلت فى حرب مع السودان لمجرد (إشتباهها) فى أنه يتعاون مع إيران فى تصنع أسلحة؟ ترى هل يمنع القانون الدولي بما فى ذلك قانون التحالف الاسرائيلي الأمريكي، تعاون دولتين فى شأن عسكري؟ هل سيقف العالم مسانداً للدولة العبرية لكونها تواجه (تعاوناً بين دولتين) فى تصنيع أسلحة ليست محرّمة دولياً ولا يمنع القانون الدولي تصنيعها؟ من المؤكد ان اسرائيل - الشديدة الإعتداد بقوتها - لم تتكبد عناء الإجابة على هذه الاسئلة، بل لم تَدُر هذه الاسئلة من الأساس فى ذهنها، ولهذا ستظل الحادثة واحدة من أكبر الخطوات الوافرة الغباء التى قامت بها دولة الكيان الصهيوني، فقط من أجل حماية أمنها دون التمعُّن فى التبعات والمترتبات السياسية. فمن جهة أولى كشفت اسرائيل للعالم بأسره أنها تخشى المواجهة المؤجلة مع إيران، وهى خشية مبررة ومفهومة، على الأقل لإدراك تل أبيب أن طهران رقعة عسكرية أكبر أضعاف المرات من طاقتها حتى لو وجدت سنداً أمريكياً. لقد إنقضت سنوات حتى الآن منذ أن ظلت اسرائيل تهدد وتتوعد بضرب إيران لإجهاض مشروعها النووي المزعوم، ولعل كلمة السر هنا ان الدولة العبرية أسرفت هذه المرة إسرافاً ظاهراً فى التهديد والوعيد، بما يشير الى أن (معلوماتها) تؤكد لها أن المعادلة غاية فى الصعوبة وقد تكلِّفها وجودها نفسه، فالأمر ليس مجرد نزهة، والمياه تجري من تحت الجسر كثيراً جداً منذ آخر مواجهة لإسرائيل مع دول المنطقة . من جهة ثانية فإن من الطبيعي جداً –اذا صح إشتباه إسرائيل هذا– أن يتغيّر تكتيك التعاون الايراني السوداني المزعوم، وتجد اسرائيل صعوبة شديدة فى معرفة تطورات هذا التعاون، فالعقل الاستخباري، والقدرة على الخداع ليست حكراً وحصرياً على الموساد. السودان وإيران لديهما من القدرات الاستخبارية ما يجاوز قدرة اسرائيل التى تُعتبَر عملياً قد إنتهت وتلاشت منذ حرب إكتوبر 1973م حين كسرت الارادة العربية أسطورة الجيش الاسرائيلي الذى لا يُقهَر، ومسحت كافة أشكال الدعاية الاسرائيلية الكاذبة وأضطر القادة الاسرائيليين للإقرار بذلك علناً! فقد ضربت اسرائيل موقعاً بصرف النظر عن صحة معلوماتها بشأنه من عدمها، ولكن هل بإمكانها معرفة ما سيأتي لاحقاً بحيث تتوفر لها إمكانية ضرب جديدة؟ هذا هو السؤال الصعب الذى ستنتظر اسرائيل – إن هى بقيت – عقوداً لتجيب عليه. من جهة ثالثة فإن الحكومة الاسرائيلية راوغت وتلعثمت فى الإقرار عن العملية. لم تعلن مسئوليتها عنها مباشرة وعلى الفور، وهو مسلك وثيق الصلة بمخاوفها، فالعملية ليست عملية إستخبارية قذرة من ذلك النوع الذى يتم فى جنح الظلام وداخل الأزقة، ولكنها عملية حربية واضحة، لو كانت الحكومة الاسرائيلية واثقة فى نفسها ولا تخشى عواقبها لأعلنت ذلك فور إنتهاء العملية. ولهذا فإن واحداً من مفاتيح الخطأ الاسرائيلي الباهظ الثمن، حرص تل أبيب على عدم الإعتراف بالعملية بسهولة، رغم ما عُرِفَ عنها من جرأة ووقاحة فى الإقرار بالجرائم!